كتابات وآراء


الأربعاء - 14 أبريل 2021 - الساعة 03:18 ص

كُتب بواسطة : ماجد عبدالله ورو - ارشيف الكاتب



يحتل شهر رمضان المبارك مكانة روحانية يتهيأ له المسلمون في شتى مشارق الأرض ومغاربها وذلك لما لهذا الشهر من فضائل عظيمة وقدسية وتجليات نورانية وحيث ما ذهبت في كل بقعة من بقاع المسلمين فإنك وبلا شك تعيش طقوساً رمضانية متفردة عن باقي الأشهر الأخرى فرمضان شهر الله شهر الصيام والتقرب إلى الخالق عزّ وجلَّ باالأعمال الصالحة فيه ليلة خير من ألف شهر لا تفارقه قراءة القارئين ولا تسبيحات المسبحين تتجلى فيه روحانية رب العالمين على عباده وتعد فريضة الصيام هي الركن الرابع من اركان الإسلام إذ لا يكتمل إيمان المسلم إلا بإدائها طالما لا يوجد مانع شرعي للمسلم لأدائها في وقتها. قال تعالى { وإن كنتم مرضى أو على سفر فعدة من أيام أخر } صدق الله العظيم. كما تعد فريضة الصيام إحدى الموروثات التي ورثها الإسلام من العرب إذ كان العرب قبل الإسلام يكرمون شهر رمضان ويلقونه بالترحيب والاستعداد الروحي والنفسي. وجاء الإسلام ورفع من مكانة شهر رمضان ففيه تنزل القرءان الكريم قال تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} صدق الله العظيم. وفي الحديث القدسي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل حيث قال [ كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ...إلخ] وتعد مدينة زبيد التاريخية الواقعة جنوب محافظة الحديدة غرب اليمن من البلدان العربية الإسلامية الشهيرة التي ذاع صيتها في كل أنحاء العالم عبر التاريخ الإسلامي حيث كانت كعبة الزهاد والعباد والصالحين فكانت مهبطاً للعلم والمتعلمين والفقه والمتفقهين ـ مدينة العلم والعلماء والثقافة والفكر وحتى يومنا هذا ما زالت تحتفظ بموروثاتها العلمية الزاخرة في شتى نواحي الحياة العلمية والثقافية والفكرية وما يحتله شهر رمضان في هذه المدينة من قداسة وروحانية قلما تجدها في أي بلدة إسلامية أخرى ذلك لدليل على عراقة هذه المدينة وإسهاماتها في ترسيخ الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية السمحاء.
فيبدأ التأهب لإستقبال شهر رمضان الكريم في مدينة زبيد ابتداءً من أيام شهر جماد الثاني حيث تبدأ قراءة صحيح الإمام البخاري ومسلم في جامعي الأشاعر والجامع الكبير وكذلك في بعض مدارسها العلمية والمنازل التي ما زالت تبقي على مواصلة واستمرار قراءة الأحاديث الشريفة وشرحها وتفسيرها وفي مثل هذه المناسبات الدينية الخاصة وتستمر القراءة حتى انهاء المجلدات الخاصة بالأحاديث وتفسيرها وفي كل الأماكن التي يتم فيها قراءة الأحاديث يختتم فيها القراءة وذلك بعد الوقوف لختمٍ حين الوصول إلى الأحاديث المتعلقة بأهل بدر وشهدائها الأبرار ويحضر حفل الاختتام جموع من العلماء والفقهاء وتوزع الحلوى وتقام الولائم تكريماً لأقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى وهكذا تستمر أيام أهل زبيد نوراً وهدى وصلاح وما إن يطل شهر رمضان حتى يستعد الناس لاستقباله فيقبلون على شراء احتياجاتهم ومستلزماتهم الرمضانية كما يقدمون على طلاء وتسمى عملية (الرش)لـ منازلهم وأماكنهم باللون الأبيض (النورة) كما تطلى أيضاً الجوامع والمساجد والمدارس العلمية باللون الأبيض ابتهاجاً بمقدم شهر رمضان الفضيل وذلك اسوة بما كان سائراً عليه الأوائل في زبيد ومن منتصف شهر شعبان وحيث ما سكنت في زبيد تطلق مآذن الجوامع عبارات الترحيب وذلك بالتهليل والتسبيح والتكبير والتحميد وتسمع الأناشيد الدينية المعبرة عن استقبال شهر الرحمة والغفران ، ففي أول ليلة يحل فيها شهر رمضان حتى تبدأ قراءة القرآن الكريم من أول المصحف ففي كل مكان في الجوامع في المنازل في المبارز في الأسواق أينما توجهت في المدينة لا تسمع إلا صوت التلاوة في الصباح في المساء في معظم أوقات اليوم والليلة ، وفي الجامع الكبير تؤدى صلاة التراويح جماعة في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات فتقام ألأولى إثر صلاة العشاء مباشرة وفي الساعة الثانية عشر من منتصف الليل تقام جماعة لأداء الصلاة الثانية أما الثالثة فتقام بعد انتهاء الصلاة الثانية مباشرة إلى قبل صلاة الفجر. وفي كل صلاة يؤم بالمصلين أحد حفظة القرءان قراءة وأداءً وفي كل صلاة تبدأ القراءة من أول المصحف حتى يختتم في آخر الشهر ، فالصلاة الأولى يقام لها ختم في ليلة (27) من رمضان والصلاة الثانية تختم في ليلة (28) من رمضان وفي ليلة (29) من رمضان تختتم الصلاة الثالثة ، وفي جامع الأشاعر الذي يعد من أقدس الأماكن الإسلامية والذي أسس في أواخر العام الثامن الهجري على يد الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري عندما أوفده الرسول صلى الله عليه وسلم لنشر تعاليم الدعوة الإسلامية في اليمن والذي يعد أيضاً من أبرك الجوامع الإسلامية في البلاد ففي كل أوقات الصلاة يزدحم الجامع بالمصلين وتستمر صلاة الجماعة قائمة إلى قرب وقت أداء الفريضة الثانية وفي كل سنة من شهر رمضان تقام صلاة التراويح من الساعة الحادية عشر حتى الانتهاء منها ويختتم فيها المصحف الشريف في ليلة (27) من رمضان. وزبيد ذات الخمسة والثمانين مسجداً ومدرسة علمية في وقتنا الحاضر والتي ما تزال مشعلاً من مشاعل العلم وقدسية حلقاتها النورانية بنور تلاوة القرءان وتدارس الأحاديث النبوية الشريفة فالجبرتية ، والفرحانية ، والفاتنية ، والوهابية ، والعلوية ، ومسجد الحداد ، والعدني ، وعبدالرشيد ، والناشري ، والخضر ، والبطاح ، وجحره ، كل هؤلاء وغيرهم من المساجد والمدارس تعد من أعظم ما تكتنزه المدينة من ذخيرة علمية وفقهية قل ما تجدها في أي بقعة من بقاع الأرض ففي كل مكان فيها يبدأ تداس القرآن الكريم من أوله إلى آخره فيقام فيه حفل اختتام يحضره العلماء والطلبة وجموع من المصلين وتوزع فيه الحلوى وتحضر العطور والبخور. وتقام من بعد صلاة الظهر والعصر حلقات العلم وتستمر على مدار شهر رمضان المبارك. يقوم كبار المشائخ والعلماء بشرح الأحكام الدينية والمسائل الفقهية والتفاسير كتفسير الجامع الصغير (للسيوطي) وأكثر ما تقام في جامع الأشاعر والجامع الكبير. وقد أخبرني أحد المعمرين بأن بعض الحلقات التي كانت تقام في بعض المبارز وذلك لتدارس قراءة القرآن الكريم يتم فيها قراءة المصحف بكامله عن ظهر قلب من أوله إلى آخره في ليلة واحدة ففي بيت الربعي مثلاً كان العشرة من حفظة القرآن يتدارسون قراءة المصحف كاملاً في ليلة واحدة وهكذا حتى نهاية الشهر المبارك. ولشهر رمضان في مدينة زبيد ميزة خاصة فمن الناحية الاجتماعية حيث يتبادل الأقرباء وكذا الأصدقاء يتبادلون الزيارات من أول ليلة فيه وعندما يقابل الأخ أخاه والصديق صديقه والجار جاره فأول ما يقابله يلقي عليه عبارة (شهر مبارك علينا وعليك وعلى جميع المسلمين) وكذلك افراد المجتمع والأسر يعيشون حالة من العطف والتراحم فيما بينهم فكل اسرة في زبيد تقوم بصناعة أكلاتها الخاصة داخل المنزل ويتم تبادل الأطعمة والمشروبات فيما بين الجيران والأهل والأصدقاء بعضهم بعضاً وتبركاً أيضاً بليالي شهر رمضان فإن كثيراً من الشباب يقدمون على عقد قرانهم للزواج في إحدى الليالي الرمضانية وخصوصاً الليالي الأخيرة منه ايماناً ببركة شهر رمضان والتفاؤل بحلول السعادة التي يتوسلها المسلمون من عظمة هذا الشهر وحيث تحل السكينة وتطمئن النفوس وتصح الأبدان وتذهب الكراهية والبغضاء والفرقة لتحل الألفة والأخلاق الحسنة ولمَّ الشمل في المجتمع المسلم والنهي عن المنكر والآثام كما يحل السخاء والبذل والعطاء دونما شح أو بخل.
وهكذا فشهر رمضان شهر تطهير النفوس ومرحلة نقاء في عمر الإنسان المسلم ففيه تقرع بيوت الفقراء والمحتاجين لتنعم بزكاة الأغنياء وصدقاتهم التي أوجبها الله عز وجل على عباده.

* من صفحة الكاتب على الفيس بوك