السبت - 10 فبراير 2024 - الساعة 01:01 م بتوقيت اليمن ،،،
صدى الساحل/ متابعات
الأولاد الصغار الذين يرتدون قمصان كرة القدم يكونون صداقات ويتبادلون النكات أثناء انتظارهم ضمن طوابير طويلة.
و فتاة ترتدي فستان راقصة باليه تبتسم وهي تعد خطواتها من جانب الرصيف إلى الآخر.
و أطفال صغار آخرين عليهم ان يقوموا بعمل جاد و شاق. و في معركتهم من أجل البقاء في تعز، لا يُسَمَح لأحد بالابتعاد عن المسؤولية. ففي كثير من الأحيان، يتم إرسال الأصغر سناً لإتمام مهمة جمع الماء البارد التي تثير الرعب، نيابةً عن عائلاتهم بأكملها، وذلك لضمان عدم وفاة أحد جوعاً.
"نحن نموت، نحن نموت"، يقول (ماجد)، رجل محلي يعاني مع العشرات من سكان تعز الذين يأملون بفارغ الصبر في وصول إمدادات المساعدة.
و لقد حاول الهروب من المدينة المحاصرة لينظم للمقاتلين الحوثيين، لكنهم رفضوه.
"رأوا أنني من منطقة تسيطر عليها الحكومة، وقالوا : 'أنت من تنظيم الدولة الإسلامية'. كانت كلمتهم الأولى: 'أنت من تنظيم الدولة الإسلامية!'"
الآن، وبكونه عالق في تعز، فيعتمد على هذه الشحنات المتقطعة من شاحنة تحمل حاويات ضخمة من الماء.
و مثل الجميع، يتمسك بزجاجته الفارغة التي تحمل اسمه. و أسأله عما يمكن أن يفعله العالم الخارجي للمساعدة في الوضع.
و يتردد قليلاً، ويقول: "أوقفوا حصار تعز. أوقفوا حصار تعز."
و في المستشفى القريب، تكون آثار الأزمة واضحة. يمكن سماع بكاء خفيف للأطفال عندما تفتح أبواب وحدة تغذية الأطفال المعرضين لسوء التغذية. ولكن (عائشة) تصمت.
و تبلغ عائشة من العمر ثمانية أعوام وتزن سبعة كيلوغرامات فقط، كما أنها ضعيفة و نحيلة لدرجة أنها لا تستطيع ان تصرخ أو حتى تتحرك.
و الجرّاح يذكر بعض الأمراض التي تعاني منها الآن - قائمة طويلة جداً لا يستطيع حفظها كلها- "سوء التغذية، الإسهال، الفشل القلبي".
وتُقدر فرصة بقاءها على قيد الحياة بنسبة لا تتجاوز 10%.
و بجانب سريرها، تجلس خالتها (كريمة المعمري)، وليس والديها اللذين اعتبروا أن الرحلة عبر المدينة لإنقاذ ابنتهما قد تُشكل خطراً كبيراً على إخوتها الأصحاء.
كريمة، التي تعمل كمغنية هاوية، تقوم بالغناء في حفلات الزفاف لجمع المال والذهاب إلى العيادة بعد أن واجهت صعوبة في العثور على الطعام والدواء في مكان إقامتها. و تقول: "ذهبنا بأنفسنا لجلب الماء من البئر لأننا لا نملك ماءً في قريتنا، وقمنا بحمل الماء بواسطة الحمير".
وأضافت: "لكن لا يوجد أحد في القرية يستطيع التحدث نيابةً عنا جميعاً ليقول إنه ليس لدينا ماء".
حيث إن الرجال وراء الحرب في اليمن -وتحديدًا حصار تعز- هم من قاموا بمنع تدفق الماء إلى أولئك الذين يحتاجون إليه.
و على الرغم من أننا هنا للتقرير عن حملة الحوثيين ضد الملاحة التجارية في وحول البحر الأحمر، التي استخدموا فيها مجموعة من الصواريخ الباليستية المتطورة وطائرات الانتحار المعروفة باسم "الكاميكازي".
ولكن عندما التقينا بأطفال المدينة الذين يعانون من سوء التغذية، فإنه واضح أن هناك سلاحاً أكبر في ترسانة الحوثيين يستحق اهتمامنا، وهو موجه نحو الشعب اليمني قبل كل شيء بدلاً من السفن التجارية.
حيث قامت المجموعة بمنع تدفق المياه إلى المدينة التي تخضع لسيطرة الحكومة، مما اضطر بعض الأشخاص إلى جمع مياه الأمطار.
و وفقاً لتقرير منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش)، فقد قامت القوات الحوثية والحكومية بانتهاك حقوق سكان تعز في الحصول على الماء.
و يدّعي التقرير أن الحوثيين منعوا تدفق المياه إلى المدينة من حوضي المياه الموجودين تحت سيطرتهم كما منعوا بعض شاحنات المياه من الوصول إلى المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة.
وتشير هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى أن القوات العسكرية المرتبطة بالحكومة اليمنية استولت على بعض الآبار وباعت الموارد للسكان بغرض الربح.
و نجد هناك تلة تُمكننا من رؤية المدينة. و من هناك، يمكن رؤية الجبهة - وهي مكان أخضر داكن قرب الجبال يبدو وكأنه رُسِم بقلم عملاق من اليسار إلى اليمين عبر المناظر الطبيعية.
وبعد ذلك، وفي اتجاه التلال، توجد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بدعم من إيران. وفي الجانب الآخر، تتولى الحكومة اليمنية السلطة، والتي تحظى بدعم من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
و لذا فإن تعز تُعتبر حرب داخل حرب داخل حرب. ونحن ننظر إلى جزء من الخط الفاصل الأكثر خطورة في السياسة العالمية.
و قبل أن نغادر المدينة، عُدنا لرؤية عائشة. كانت تستلقي على السرير الأول عند دخولنا الجناح.
و عندما اقتربنا عبر ممر قصير، كان سريرها فارغاً، باستثناء قطعة قماش بسيطة وهاتف خالتها المحمول البسيط. إنها لحظة مشؤومة، نظراً للتوقعات المحبطة التي أبلغنا به الطبيب في اليوم السابق.
لكن عندما دخلنا إلى داخل الجناح كانت عائشة هناك، تكافح للجلوس بشكلٍ مستقيم على الميزان، وهو أمر كانت غير قادرة على التفكير في الأيام السابقة أنها ستقوم به.
و هذه ليست مبالغة، لكنها تستجيب للعلاج بشكل أفضل مما كان متوقعًا. لذا تأمل خالتها أن يكون الأطباء فقط متشائمين جداً.
و تطلب من ابنة اختها أن تنظر نحو كاميرتنا، قائلة: "قولي لهم إن اسمك عائشة وترغبين في العودة إلى البيت."
عائشة لديها ماء وطعام ودواء وأمل...
و في تعز، يُعد هذا أمراً نادراً.