شئون دولية

الأربعاء - 23 يونيو 2021 - الساعة 12:03 م بتوقيت اليمن ،،،

تونس

عكست التطورات السياسية المتسارعة التي عرفتها تونس خلال الساعات الماضية، لاسيما المتعلقة بترتيب لقاء بين الرئيس قيس سعيد ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يرأس البرلمان، محاولة أطراف الأزمة التونسية تجنب المزيد من التصعيد مدفوعين بضغوط داخلية وخارجية لتحريك حالة الجمود السياسي والبحث عن حلول عاجلة للأزمتين الاقتصادية والصحية في البلاد.

وقالت أوساط تونسية إن الخلاف الرئيسي الذي يمنع إلى حد الآن الانفراجة في تونس هو خلاف بين الرئيس سعيد والغنوشي الذي سعى من البداية إلى الاستحواذ على الصلاحيات الخارجية لرئيس الجمهورية وحصره في مربع ضيق، وأن اللقاء المرتقب قد يوفر فرصة جدية لالتزام كل طرف بصلاحياته وإذابة الجليد بينهما.

لكنها حذرت من أن يكون الهدف من اللقاء هو ربح الوقت وتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية ثم العودة إلى المربع الأول دون الأخذ في الاعتبار الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد.

وجاءت فكرة اللقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان بمبادرة من القيادي السابق في حركة النهضة لطفي زيتون الذي استقبله الرئيس سعيد الاثنين ولا يعرف إن كان زيتون قد تحرك لتأمين اللقاء بمبادرة من أحد الطرفين أم بشكل شخصي.

ولم يخف قياديون من النهضة في تصريحاتهم قلقهم من القطيعة بين رئاسة الجمهورية ورئيس البرلمان، وهو وضع لا يخدم خطط الحركة في الاستمرار كطرف رئيسي في المشهد السياسي، وزاد هذا القلق بعد تلويح الاتحاد العام التونسي للشغل بالضغط للدفع نحو انتخابات مبكرة، وهو أمر لا يتماشى مع حسابات النهضة وقد يهدد مكاسبها الحالية، ما دعاها إلى المسارعة بالترويج لفكرة تشكيل حكومة سياسية جديدة في استنساخ لتجربة حكومة إلياس الفخفاخ السابقة.

وكان الغنوشي سيطرح هذه المبادرة خلال حوار تلفزيوني كان سيُبث مساء الثلاثاء غير أن لقاءه بمستشاره السابق عجّل بتأجيل الحوار، حيث شدد زيتون على أنه “مستعد لترتيب لقاء للغنوشي مع الرئيس سعيد”.

جاء ذلك بعد سويعات من اجتماع الرئيس سعيد بزيتون، وهو اجتماع قدم فيه رئيس الجمهورية تفسيرات لتصريحات سابقة فجّرت جدلا واسعا خاصة تلك المتعلقة بتغيير النظام السياسي في تونس وتعديل الدستور أو العودة إلى دستور 1959 باعتبار أن دستور 2014 “كله أقفال”.

وقال عماد الخميري المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة إن الموقف الرسمي للحركة هو ضد إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وإنهم “متمسكون بحوار وطني ينتهي إما بإصلاح الحكومة الحالية وتمرير التعديل الوزاري أو يقود إلى حكومة سياسية يرأسها هشام المشيشي”، مشددا على أن الحركة لن تدخل أي حوار يشترط إقالته.

ويعتقد محللون ومراقبون سياسيون أن تراجع الرئيس سعيد خطوةً إلى الخلف وإطلاق حركة النهضة الإسلامية لعرض سياسي جديد مردهما الضغوط الخارجية حيث يُكرس المانحون الدوليون ضغوطا من أجل إرساء استقرار سياسي شأنهم في ذلك شأن الولايات المتحدة، فضلا عن ضغوط داخلية يقودها اتحاد الشغل وقوى المجتمع المدني.

وقال المحلل السياسي خليل الرقيق إن “وساطة لطفي زيتون قطعت شوطا ما في تقريب وجهات النظر بين الغنوشي وقيس سعيد أو على الأقل لأخذ وقت للنقاش خاصة أن الغنوشي أرجأ ظهوره الإعلامي الذي كان مُقررا مساء الثلاثاء، لكن طرح ملف بقاء رئيس الحكومة هشام المشيشي أو رحيله هو ما سيصعّب المفاوضات لاسيما أن حزب قلب تونس لا يزال متشبثا به”.

وتابع الرقيق في تصريح لـ”العرب” أن “الجولة القادمة من النقاش بين أطراف الأزمة لا يُتوقع منها الكثير إذا تمسكت النهضة بالمشيشي وهذا ما سيُحدث صداما جديدا مع الرئيس سعيد الذي أبلغ أمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي إصراره على رحيل المشيشي، وأعتقد أن ذلك سيقرب تونس أكثر من الانتخابات المبكرة التي يكاد يتفق العديد من الأطراف السياسية حولها”.

وشدد على “وجود مساع خارجية لإنهاء الأزمة، مع أن الأهم يبقى في الضغوط الداخلية حيث بات هناك اتفاق متزايد حول ضرورة تغيير نظام الحكم في تونس وتعديل دستور 2014 أو تغييره”.

في المقابل يميل البعض إلى اعتبار أن تحرك النهضة كان محسوبا حيث يسعى الحزب الإسلامي إلى فرض تشكيل حكومة سياسية تحول أولا وأخيرا دون فرض اتحاد الشغل والشارع لسيناريو الانتخابات المبكرة في ظل توجس النهضة من نتائج هذه الخطوة على وقع تراجعها في استطلاعات الرأي.

ويقول مراقبون إن تمرير فكرة حكومة سياسية ستمكن النهضة من التملص من حصيلة الحكومة الحالية التي باتت في مرمى غضب الشارع ورفض جلّ الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية رغم تأكيد رئيسها هشام المشيشي على أنه لن يستقيل.

وقال النائب في البرلمان حاتم المليكي إن “التغيرات الداخلية إلى جانب الضغوط الخارجية هي التي سرّعت هذه التطوّرات خاصة أن الانسداد السياسي يتعمق”، مشيرا إلى أن هناك تيارين في البلاد: الأول تقوده حركة النهضة التي تحاول الاستفادة من الأزمة أكثر ما يمكن من أجل الإمساك بالحكم، وأما التيار الثاني فبدأ يظهر جليا وهو يدفع نحو تغيير نظام الحكم وهو التيار الذي تحاول النهضة قطع الطريق أمامه”.

وأردف المليكي في اتصال هاتفي مع “العرب” أن “النهضة تدرك أن حصيلتها سلبية وهو ما يجعلها تعارض تغيير النظام السياسي لأن النظام الحالي يعطيها السلطة ولا يحمّلها المسؤولية، وهي تريد أيضا بطرحها الأخير حول الحكومة قطع الطريق أمام مبادرة الاتحاد بشأن الانتخابات المبكرة”.

بدوره اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي أن “الدعوة لتشكيل حكومة سياسية برئاسة المشيشي والتي يقترحها الغنوشي لا يمكن أن تكون حلا للأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة في تونس”، موضحا أن النهضة بهذه المبادرة تريد السيطرة على الحكم تحت غطاء “حكومة سياسية”.

والثابت أن مبادرة حركة النهضة لتشكيل حكومة سياسية جديدة تبقى غير مضمونة النتائج حيث رفض النائب البرلماني عن الكتلة الديمقراطية (38 نائبا من أصل 217) نعمان العش الذي ستؤول إليه رئاسة الكتلة في وقت لاحق هذا العرض.

وقال العش في تصريحات إذاعية بُثت الاثنين “نعم لحكومة سياسية لكن ليس وفق رؤية حركة النهضة. مبادرة النهضة والغنوشي تستهدف استباق الحوار الوطني بوضع شروطها، وبالنسبة إلى المشيشي عليه أن يرحل لأن حكومته لم تعد تحظى الآن بثقة السياسيين والمواطنين والمانحين الدوليين”.