كتابات وآراء


الأربعاء - 16 يونيو 2021 - الساعة 12:05 م

كُتب بواسطة : أ / علي قابل - ارشيف الكاتب



- يعتمد الكثير من أنظمة العالم المتقدم على الشفافية في إدارة دولهم ومصالحهم..

- يخضع كل شيء للشمس للوضوح، يستطيع الجميع معرفة برنامج الحكومة ومشاريعها وخططها الحالية والمستقبلية بضغطة زر وبضغطة زر أيضا يستطيع معرفة كل الإيرادات والمدفوعات ووضع الدولة الحالي..

- كل شيء واضح ومتاح للجميع..
وهذا ما يسمى بالشفافية والوضوح..

- أما عندنا فهناك نوع آخر، ووجه آخر للشفافية، لا يمت للنوع الأول بصلة، نراه يزداد يوماً بعد يوم، حتى أصبح مسلسل وله أبطال ينتظرهم المواطن كل صباح لمعرفة عمل الدولة وإلى أين تسير..

- وزير يعاني في وزارته تجده يعمل بث مباشر على الفيس يتناول معاناته مع جمهوره قبل معرفة رئاسة الوزراء أو رئيس الجمهورية..

- مسؤول دخل في مشادة مع مسؤول آخر تجده يغرد في توتير لاعناً ساخطاً، ينشر غسيله وغسيل جيرانه قبل أن تعلم الدولة بالخلاف..

- مسؤول يشك في نوايا عاقل حارته تجده( يشرشحه) في الميديا ويدع الباقي لخيال المتفاعلين مع الشرشحه..

- مسؤول تم مقابلته ببرود في الصباح ينشر في الظهيرة عن تفاصيل المؤامرة عليه..

- مسؤول تأخر عليه الشاي ينشر عن فساد القوى العاملة في اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب..

هذا في الشأن الخاص لعمل كل وزير ومسؤول، اما في الشأن العام فقد أصبح كل مسؤول لا يخاطب القيادة الا عبر منشور في صفحته ولا يتلقى الأوامر إلا عبر منشورات في صفحات منهم أعلى منه درجة..!

- مسؤول ومسؤول تتزاحم بهم الأخبار دون الأعمال، تجدهم كل يوم على السوشل ميديا منذ ساعات الفجر الأولى..

لا نجد لهم عمل سوى كتابة البوستات الطويلة المملؤة بالشكا والتذمر ولم نجد لهم ظهور الا على حالات الواتس والفيس وتويتر وكأن هذه المنصات هي المقر الرئيسي للدولة..!

إذا أراد أحدهم إيصال فكرة للقيادة فهو يوصلها عن طريق الصفحات وإذا أراد مرؤسيه توجيهه فيتم توجيهه عبر بوست آخر في صفحة أخرى..!!!

- همٌ آخر للمواطن الذي أصبحت عادته اليومية متابعة الأخبار عبر صفحات الفيس بوك وتغريدات تويتر يبحث عن معلومة جديدة، وخبر حصري من هذا وذاك حتى يستطيع الربط بينهم في تحليل الحالة التي يعيشها وتخمين النهاية التي يتوقعها..

- نعيش في أيام (ألا دولة) بكل تفاصيلها المرعبة، التي لا يختلف فيها الرئيس عن المرؤوس في تلقي المعلومة ساعة ولادتها..

*قائد عسكري يشرح خطة سير المعركة في مواقع التواصل قبل تنفيذها..

* مسؤول مدني يلقي باللآئمة على غيره قبل حتى أن يعمل..

- صفحات وصفحات مليئة بالعك والعجين لا تعرف منها الغث من السمين..

كلها للشتم والردح والتخوين والتسويف لايوجد فيها ما يقودك إلى أمل أن هناك بوادر حل يلوح في الأفق..!

ارتضى الجميع أن تكون هي الوسيلة الوحيدة للعمل حتى وإن كانت الأعمال خارج نطاقها..

اقنعوا المواطن أن عمل كل مسؤول في الدولة هو المكوث خلف جهازه من أجل الفسبكة والتغريد فقط..!

وزير/ سفير /مسؤول/ ضابط/ كلهم أصبحوا مفسبكين درجة أولى وحتى من لم يشارك في مهرجان (الفسبكة) يسخط عليه الشعب ويتهمه بالتقصير وعدم العمل مطلقاً..!

أصبحت المواقع الاجتماعية جزء أصيل من ثقافتنا الحالية ورابط مهم يربطنا بأجهزتها المختلفة..

- أصبحنا نقيس كل شيء خاص بالدولة عن طريق المنشورات وبه نستطيع معرفة المسؤول النشيط من المسؤول الكسول، عن طريق تفاعله مع مواقع التواصل وتجاذبه مع الجمهور وحميميته مع طرح الناس وتفاعلهم مع دموعه الوطنية التي يذرفها على لوحة الكيبورد..!

حتى أصبح مؤهل التعاطي مع مواقع التواصل الإجتماعي من ضمن المؤهلات الرئيسية لإختيار المسؤول وكم الأصدقاء أيضا معيار آخر للمفاضلة بين المتنافسين على المسؤولية..!

- الشفافية عندنا نوع آخر يختلف عن شفافية العالم المتقدم، شفافية تليق بمستوى أفهامنا وتطلعاتنا، ترضي حشريتنا في معرفة كل صغيرة وكبيرة قبل حتى حدوثها..

- لكنها للأسف (كمين) شفافية نُصب لنا بمهارة فائقة يمتص كل دوافعنا للتغيير، ويتركنا مجرد فقعات صوتية لا تؤثر إلا بالحجم الذي يراد لها ذلك..

يتم توجيهها عبر رؤوس الخيوط التي توضع أمامها كي تقوم هي باستخدام مهاراتها في تتبعها حتى تصل للنتيجة المُرادة لها..

والمصيبة أننا وافقنا ضمنياً على هذا العبث واعجبتنا فكرة الشرشحة التي تجذب الجمهور حتى وإن كانت على حساب الإنتاجية والعمل المحترم..!

نحن نريد شفافية بجانبها المشرق الذي نعلم منه خططها ورؤاها لحل مشاكلنا وازماتنا المتعاقبة ولا نريدها مفرغة من معناها ومختطفة لصالح العبث الذي يزيد من مرارة المعاناة التي نعيشها...

نريد شفافية يصنعها الوعي وتصقلها الحاجة، لا شفافية بنظام الردح وتوجيه الجماهير إلى حيث يريد الفسدة..

شفافية تحمي وتبني وتؤصل في المجتمع فكرة الوضوح والعمل تحت أشعة الشمس والنور...

المقال من صفحة الكاتب بالفيس بوك