كتابات وآراء


الأحد - 11 مايو 2025 - الساعة 09:03 م

كُتب بواسطة : الإعلامي / منور مقبل - ارشيف الكاتب





في فضاء يموج بالصراعات السياسية، حيث تتداخل الحقائق مع الأوهام، وتتحول المواقف إلى مساحات للتنافس الإعلامي أكثر من كونها ساحات للفعل السياسي الحقيقي، يبرز دور القادة العسكريين والسياسيين الذين يجدون أنفسهم وسط حرب لا تقتصر على المواجهة العسكرية، بل تمتد إلى معركة الصورة والرأي العام.

هذا المشهد يعيد تعريف طبيعة الخصومة السياسية في اليمن، حيث لم يعد تقييم القيادات يتم استنادًا إلى أدائهم الفعلي في الميدان، بل باتت التحليلات الإعلامية والانطباعات العابرة هي التي تشكّل الإدراك العام تجاههم. في هذا السياق، تصبح كل شخصية سياسية عرضة لموجات متكررة من الاستهداف الإعلامي، حيث يعاد بناء سرديات مضادة لا تستند إلى الوقائع، بل إلى محاولة فرض صورة نمطية تتناسب مع مصالح خصومها.

العميد طارق صالح، الذي يمثل أحد الأسماء البارزة في المشهد العسكري اليمني، لم يكن استثناءً من هذه المعركة الإعلامية، حيث باتت حملات التشويه الموجهة ضده أكثر حضورًا من أي محاولة لفهم دوره الفعلي في استعادة الدولة وإعادة ترتيب المشهد العسكري لصالح القوى الجمهورية. لكن اللافت في هذه الحملات أنها لا تقوم على تفكيك منطقي لأفعاله أو استراتيجياته العسكرية، بل تعتمد على سرديات مسبقة يعاد تدويرها وفق الحاجة، وكأن المطلوب ليس مساءلة دوره وفقًا للمعطيات الحقيقية، بل تأطيره في سردية ثابتة تجعل منه هدفًا مستمرًا للخطاب الإعلامي المعارض.

الخصم، حين لا يمتلك أدوات النقد الموضوعي، لا يلجأ إلى التحليل، بل يختار المسارات الأكثر سهولة في الصراع السياسي: إعادة تدوير الاتهامات، توظيف الشائعات، وتثبيت صورة ذهنية تظل قابلة للاستمرار ما دامت تتغذى على الفراغ المعرفي. لهذا، فإن غياب التحليل الاستراتيجي في الخطاب الإعلامي الموجه ضد طارق صالح لا يعود فقط إلى ضعف في فهم دوره السياسي والعسكري، بل إلى استراتيجية تفضل الإبقاء على الهجوم العاطفي بدلًا من البحث عن مساحة لتقديم نقد حقيقي، لأن النقد يستدعي مساءلة الوقائع، وهذا ما لا يخدم الأجندة التي تحاول إبقاء الصورة السلبية قائمة دون تغيير.

في معادلة الإعلام السياسي، لا يكون المطلوب تقديم قراءة متجددة، بل يتم التركيز على تثبيت سرديةٍ تعكس مصالح الطرف الذي يتبنى هذا الخطاب. لهذا، فإن الهجوم على العيمد طارق لا ينبع من مساءلة فعليةٍ لدوره، بل من محاولة فرض تصوراتٍ تخدم الجهات التي ترى في وجوده تهديدًا لمشاريعها أو لنفوذها داخل المشهد اليمني. هذا النمط من الاستهداف لا يبحث عن الحقيقة، بل يسعى إلى تشكيل وعيٍ سياسيٍ يُبقي الإدراك محصورًا داخل دائرة التصورات المسبقة، بحيث لا يتمكن الجمهور من التفكير خارج القالب الذي يتم تقديمه له.

في هذا الإطار، يصبح الخطاب الإعلامي أكثر تصادمية، حيث لا يتجه إلى التحليل الموضوعي، بل يفضل الاعتماد على المقولات الجاهزة التي تعيد إنتاج نفسها دون مساءلة أو مراجعة. فالخصومة الإعلامية، حين تفقد جوهرها النقدي، تتحول إلى مجرد ممارسة قائمة على إعادة تدوير الأكاذيب، بحيث يصبح المطلوب ليس تفسير ما يحدث، بل تثبيت صورة ذهنية لا تقبل التغيير.

هذه المنهجية تعيد تعريف المعارك السياسية في اليمن، حيث لم تعد الخصومة قائمة على التنافس بين تنفيذ المشاريع الخدمية والوقوف إلى جانب الإنسان اليمني، بل باتت تستند إلى مواجهة تدار داخل الإعلام أكثر من كونها تحسم في الواقع السياسي والعسكري.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ليس حول طبيعة هذه الحملات الإعلامية، بل حول سبب عجز خصوم طارق صالح عن تجاوز هذه الأكاذيب نحو نقد أكثر موضوعية. لماذا لا يفضلون التحليل الاستراتيجي لأفعاله بدلًا من إعادة تدوير الاتهامات القديمة؟ ولماذا يبدو خطابهم الإعلامي وكأنه محكوم بحالة من الجمود، بحيث يتكرر بنفس العبارات والأساليب، دون أي محاولة لإنتاج رؤية جديدة؟

الإجابة تكمن في طبيعة المشهد السياسي ذاته، حيث تتحول الخصومات إلى نماذج مغلقة لا تقبل المراجعة، وكأن المطلوب ليس فهم الشخصيات السياسية وفقًا لدورها الفعلي، بل تثبيت رواية إعلامية تخدم مصلحة الطرف المقابل. عجز الخصوم عن تجاوز الأكاذيب نحو نقد أكثر موضوعية ليس مجرد فشل في الفهم السياسي، بل هو انعكاس لمنطق مغلق يدير الخصومات وفقًا لنموذج لا يقبل المراجعة.

وهنا، لا يكون الإعلام مساحة للتحليل النقدي، بل يتحول إلى امتداد للفجور السياسي، حيث يتم بناء الرواية الإعلامية لا على أساس تقييم الأداء السياسي، بل على أساس تقديم خطاب تحريضي يخدم جماعات معينة، ويغطي الفشل السياسي لها ولدورها في الساحة اليمنية، وعجزها عن إدارة المشهد وفق ما تدّعيه في خطاباتها ووعودها. وهنا تصبح الشخصية السياسية الناجحة محكومة بصورة لا يمكن تغييرها، لأنها في الأصل لم تبنَ على الوقائع، بل على التهجم والتخوين اللاأخلاقي.

الإعلام حين يصبح جزءًا من الصراع السياسي يفقد وظيفته الأساسية كمجال للنقد والمساءلة، ويتحول إلى مجرد أداة لإعادة إنتاج الخطاب السياسي دون محاولة لتفسير ما يجري بالفعل.

هذا الواقع يعيد طرح أسئلة أعمق حول مستقبل الخطاب الإعلامي في اليمن، وكيف يمكن للإعلام أن يكون أكثر قدرة على تقديم نقاش حقيقي حول دور الشخصيات السياسية بعيدًا عن الأوهام المسبقة. لأن المعركة السياسية، حين تفقد جوهرها النقدي، تتحول إلى مجرد تكرار للسرديات الجاهزة، حيث لا يصبح الصراع على بناء الدولة، بل على إعادة تشكيل الإدراك العام لصالح طرف ضد الآخر، حتى لو كان ذلك بعيدًا عن الواقع الفعلي.

ربما يكون المطلوب اليوم ليس فقط مساءلة هذه الحملات الإعلامية، بل مساءلة طبيعة المعرفة السياسية ذاتها، وكيف يعاد إنتاج التصورات حول القادة السياسيين، ليس وفقًا لما يفعلونه، بل وفقًا لما يراد أن يقال عنهم. وإذا لم يتم تفكيك هذه الديناميكية الإعلامية، فإن المشهد السياسي سيظل أسيرًا لهذا النوع من المواجهة، حيث تصبح الصحافة مجرد امتداد للخصومات، بدلًا من أن تكون مساحة حقيقية لفهم المعادلات السياسية والعسكرية بعيدًا عن التلاعب بالسرديات.