كتابات وآراء


الجمعة - 19 سبتمبر 2025 - الساعة 10:02 م

كُتب بواسطة : عبده مخاوي - ارشيف الكاتب





قبل أربع سنوات، في صباح خانق من سبتمبر 2021، ارتكبت مليشيا الحوثي واحدة من أبشع الجرائم التي لا يمكن لليمنيين أن يمحوها من ذاكرتهم. في ميدان السجن المركزي بصنعاء، اصطف تسعة رجال من أبناء تهامة، اقتيدوا من الحديدة بجريرة لم يرتكبوها، وحكم عليهم بالإعدام بعد محاكمة صورية لا علاقة لها بالعدل. أرادت الجماعة أن تجعل منهم كبش فداء لدم صالح الصماد، فاختارت أبرياء وقدمتهم على مذبح الحقد.

كان بينهم الشيخ الوقور علي بن علي القوزي، وكان بينهم قاصر لم تكتمل ملامح شبابه بعد. لحظة سقوطهم برصاص الغدر لم تكن مجرد نهاية تسعة أرواح، بل كانت بداية قصة أكبر. لقد أراد الحوثي أن يطفئ أصواتهم، لكنه أشعل في صدور كل تهامي وكل يمني جذوة لا تنطفئ، جذوة الكرامة التي لا تموت.

هذه المأساة لم تأتِ من فراغ، بل هي امتداد لتاريخ طويل من القهر عرفته تهامة واليمن كله منذ عصور الأئمة. ففي عام 1928، حين أرسل الإمام يحيى حميد الدين جيوشه الجرارة لإخضاع الزرانيق، اعتقد أن تهامة ستنحني، لكن أبناء الزرانيق والجحبا في الدريهمي أذاقوه هزيمة منكرة. وحين ساق الإمام مشايخ تعز وإب مكبلين حفاة إلى صنعاء، حتى مات بعضهم على الطريق، رسم صورة للقسوة ذاتها التي نراها اليوم تتكرر في وجوه الحوثيين.

اليمن عرف دائمًا معنى التضحية. من الثلايا الذي تحدى الطغيان بجرأة نادرة، إلى القردعي الذي دوى رصاصه في قلب الإمام، ومن ثوار السادس والعشرين من سبتمبر الذين كسروا أغلال الاستبداد، إلى شهداء ديسمبر الذين واجهوا الحوثي في قلب صنعاء، كلها حلقات في سلسلة واحدة. واليوم، ينضم تسعة تهاميين إلى سجل طويل من الأحرار الذين كتبوا بدمائهم أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.

لقد أرادت الجماعة أن تقول إنها القضاء والقدر، لكنها لم تدرك أن الحرية أقوى من الموت. دماء الشهداء التي سالت في صنعاء لم تجف، ما زالت تنبض في وجدان اليمنيين جميعًا، وتتحول كل يوم إلى قوة ترفض الاستسلام. قد يظن الطغاة أن الرصاص ينهي الحكاية، لكنه في اليمن يكتب بدايتها من جديد. فالأئمة مضوا وبقي الوطن، والحوثي سيمضي، وستظل تهامة وكل اليمن أرضًا عصية على الانكسار، وموطنًا للحرية التي لا تموت.