كتابات وآراء


الثلاثاء - 27 مايو 2025 - الساعة 04:10 ص

كُتب بواسطة : السفير / أشرف عقل - ارشيف الكاتب



- تتميز مدينة " زبيد " الاستثنائية ، بموقعها الاستراتيجي المستدير ، فى قلب وادى الحديدة الخصيب غربى اليمن ، وهى ترتفع عن سطح البحر بحوالى ١١٤ مترا ، كما تمتد على مساحة تقدر بحوالى كيلو و٣٥٠ متر مربع ، وقد بلغ عدد سكانها عام ٢٠٠٥م ، حوالى ٥١ ألف نسمة . وتضرب زبيد بجذور أصالتها في عمق التاريخ ، على امتداد تعاقب الدول والملوك عليها منذ أن اختطها محمد بن زياد مؤسس الدولة الزيادية عام ٢٠٤ للهجرة كأول مدينة إسلامية في اليمن ، وسميت زبيد ، على اختلاف ، نسبة إلى واديها " زبيد " لأنها في منتصفه ، وأن ما يطلق عليه منطقة " الحُصَيْب " نسبة إلى الحُصَيْب عبد شمس بن وائل بن الغوث .

- وقد احتلت المدينة مكانة مرموقة في الحضارة الإسلامية ، بوصفها مدينة " العلم والعلماء " ، التي نافست المنارات العلمية العربية ، خلال القرون الماضية . وبعد أكثر من ألف ومائتي عام على ذلك ، تواجه " زبيد " التاريخية حاليا ، الإهمال والكوارث الطبيعية ، على نحو يجعلها عرضة لفقدان مكانتها وقيمتها التراثية والثقافية ، وذلك في ظل الأزمة اليمنية المستمرة منذ عقد من الزمان . فعلى
بعد حوالى عشرين كيلو مترا من شواطئ البحر الأحمر ، لا تزال المدينة متمسّكة بمكانتها التاريخية ، ومحتفظة بما تبقى من طرازها المعماري الفريد عسكريا ومدنيا ، كمدينة مسورة ومخططة حضريا ومتجانسة ، وفق طراز هندسي متأثر بأساليب العمارة المصرية والتركية .

- وقد مرّت مدينة " زبيد " بمراحل كانت فيها العاصمة السياسية والاقتصادية لـحوالى ست دول متعاقبة ، منذ دولة " بني زياد " عام ٨١٩ ميلادية ، وصولا إلى الدولة " الطاهرية " حتى عام ١٥١٧م ، وهو ما يجعلها أيقونة أثرية ، ذات مكانة تاريخية في الحاضر اليمني والعربي ، ناهيك عن دورها المرتبط ببدايات انتشار الدين الإسلامي ؛ إذ لا تزال بقايا مسجد " أبي موسى الأشعري " ، وهو خامس مسجد في الإسلام ، تواظب على إرسال نفحاتها الروحانية في جنبات المدينة حتى اليوم .

- وفي عام ١٩٩٣م ، أدرجت المدينة في قائمة التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو ، لكن مبانيها التاريخية استمرت في التدهور ، وهو ما دفع السلطات اليمنية للمطالبة بإدراجها ضمن قائمة المواقع التراثية المعرضة للخطر ، وذلك فى عام ٢٠٠٠م . ورغم ذلك ، لم تسلم حاضرة " زبيد " في الأعوام التالية من الزحف الحضري ، وباتت المباني الخرسانية تغزو المدينة باستمرار ، مما أفقدها جزءا كبيرا من قيمتها التاريخية والأثرية ، ويجعلها عرضة للإزالة من قوائم التراث العالمي ، نتيجة للتدخلات البشرية غير المدروسة .

- وفي ظل استمرار الأزمة الحالية المعقدة التي يشهدها اليمن ، تراجع دور الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية ، وهى هيئة حكومية تختص بإدارة وحماية المدن التراثية ، فيما أصبحت " زبيد " تقاسي الإهمال وغياب الاهتمام وانعدام الصيانة الدورية اللازمة . كما تتفاقم حدة المخاطر بشكل أكبر ، مع جملة التداعيات المناخية التي تشهدها البلاد ؛ ما يجعلها عرضة للكوارث الطبيعية ، ويهدد بإزالتها من قوائم التراث العالمي .

- كما شهدت محافظة الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثي ، فى الفترة الأخيرة ، أمطارا وسيولا غير مسبوقة منذ عقود ، أودت بحياة العديد من الأشخاص ، وكانت مدينة " زبيد " واحدة من بين أبرز مناطق الحديدة تعرضا للأضرار . كما تعرض أحد ممرات مدينة زبيد التاريخية ، المؤدية إلى سوق المدينة القديم للانهيار ، جراء تلك الأمطار الغزيرة ، بالإضافة إلى عوامل التعرية وحالة الإهمال التي تعيشها المدينة التراثية .

- فضلا عن ذلك ، فإن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ، لا تستطيع الوصول إلى هذه المدينة ، مما يتعين معه على منظمة اليونسكو أن تتحرك لتلافي هذه الحالة الطارئة ، فى ضوء وجود صندوق لحالات الطوارئ ، لمعالجة مثل هذه الحالات . وكذلك فى ضوء وجود مشروع لدى اليونسكو تم إقراره قبل فترة ، لإجراء ترميمات في مدن صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت ، وعدد من مواقع التراث الأخرى في اليمن ، حيث حددت خطة هذا المشروع التي تشمل مدينة زبيد التاريخية ، ترميم مائة منزل لكل مدينة من المدن الأثرية اليمنية ، المدرجة على قائمة مواقع التراث في اليونسكو .

- ومن الجدير بالذكر ، أنه قبل حدوث الأزمة الحالية فى اليمن ، كانت مدينة " زبيد " تحظى برعاية واهتمام من قبل الحكومة اليمنية ، وهناك موازنة مالية للحفاظ على المدينة بمواقعها المختلفة مثل : الجامع الكبير والمكتبة وغيرهما ، مع إجراء صيانة دورية مدروسة ، مثلما كان الوضع مع بقية المواقع الأثرية في البلاد .

- إلا أنه بعد سيطرة الحوثيين على المنطقة ، وقيامهم باعتقال الخبراء الذين يتولون هذه المهمة ، ثم تسريحهم من أعمالهم ، واستبدالهم بآخرين غير مختصين ، وأيضا وقف الموازنة وجعلها عرضة للإهمال ، تفاقمت الأضرار وتراكمت دون أدنى رعاية على مدى السنوات الماضية ، الأمر الذى انعكس سلبا على هذه المواقع ، وعلى مكانتها وقيمتها الأثرية ، وبالتالى يتعين على اليونسكو والجهات المعنية سرعة التدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المدينة الأثرية والتاريخية ، واعتماد مشاريع لإعادة صيانتها والحفاظ عليها ، قبل أن ينتهي أثر هذا الموروث الثقافي والحضاري الذي لا يمثل زبيد واليمن وحدهما ، بل يمتد تأثيره ليكون على مستوى العالم أيضا .

* المرجع : مصادر متعددة .