الأربعاء - 18 يونيو 2025 - الساعة 10:00 م
يبدو أن ما كانت تتخوف منه طهران قد أصبح واقعاً ملموساً. فالهجوم الإسرائيلي الواسع والمركز الذي استهدف البنية التحتية العسكرية والاستراتيجية الإيرانية، لم يكن عملاً فردياً أو مغامرة إسرائيلية معزولة، بل هو نتاج تخطيط مشترك طويل المدى بين تل أبيب وحلفائها الأمريكيين والغربيين، الذين أعدوا العدة بعناية، وحددوا بنك الأهداف، ثم أعطوا الضوء الأخضر لبدء الهجوم الشامل على إيران.
الهجمات الإسرائيلية لم تكن عشوائية أو رمزية، بل جاءت مركزة ومحددة بدقة، حيث استهدفت عشرات المواقع الحساسة في عمق الدولة الإيرانية. فقد طالت الضربات كبار قادة الحرس الثوري، ورئاسة الأركان، وعدداً من العلماء النوويين، إلى جانب الدفاعات الجوية، ومنشآت نووية، ومراكز أبحاث، ومواقع للصناعات العسكرية، ومخازن صواريخ بالستية، ومطارات، وبنوك، ومقرات سيادية أخرى. هذه الهجمات أسفرت عن شلل جزئي في قدرات إيران الدفاعية، ومنحت إسرائيل تفوقاً جوياً واضحاً سمح لها بالتحكم في الأجواء الإيرانية، في حين بدا الرد الإيراني غير متكافئ ومبعثر، يفتقد التنسيق والدقة.
ولذا يجب على إيران أن تدرك أن الهجوم الإسرائيلي لم يكن مجرد تنفيذ لرغبة إسرائيلية منفردة، بل كان مدعوماً بشكل غير مباشر من قبل الولايات المتحدة ودول الغرب. هذا الدعم تجلى سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً ومادياً، وإن تم بطريقة سرية في معظم الأحيان، لكنه بدا جلياً في تصريحات القادة الغربيين والأمريكيين، الذين باركوا الهجوم، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يخفِ إعجابه بأداء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل دعا طهران إلى الاستسلام الكامل دون شروط، في إشارة إلى عزم الحلف الغربي على حسم المواجهة.
ولم تكن التصريحات فقط دليلاً على هذا الدعم، بل جاءت التحركات الميدانية لترسيخ هذه الرسالة، حيث شوهدت البوارج الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية تنتشر في البحار المحيطة بإيران، استعداداً لأي تطور محتمل، وإظهاراً للقوة والجاهزية القصوى.
كما عليها ان تدرك أن الدول الحليفة لها مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وباكستان، لم تظهر استعداداً حقيقياً لخوض حرب شاملة دفاعاً عنها. وما صدر عنها من مواقف حتى الآن لم تتجاوز عتبة التصريحات الإعلامية، والبيانات المنددة، دون أن تترجم إلى أفعال على الأرض أو في المجال الجوي. وهذا ما ينبغي على إيران أن تقرأه جيداً. فالرغبة في تجنب حرب كبرى قد تدفع تلك القوى إلى النأي بالنفس، وترك طهران لمصيرها.
وفي ظل هذا الواقع الصعب، على إيران أن تعي أن قرار القضاء عليها بحسب الرواية الإسرائيلية والامريكية قد تم اتخاذه، وأنه لا مجال للتراجع عنه. ولذا فإن الرهان على وساطات من قبل دول مثل سلطنة عُمان أو قطر أو السعودية، أو السعي لتجميد الهجمات عبر المفاوضات، قد لا يكون مجدياً في المرحلة الحالية.
إن أمام إيران خياران استراتيجياً مصيرياً إما استخدام ما تبقى من قوتها وقدراتها وامكانياتها العسكرية واللجوء إلى الضرب الشامل والمباشر للمدن الإسرائيلية ومراكز القيادة والمنشآت الحيوية فيها، وإما التردد والاستهلاك التدريجي لمخزونها العسكري دون تحقيق نتائج ملموسة، وهو ما قد يؤدي إلى نهايتها كقوة إقليمية فاعلة.