الثلاثاء - 24 يونيو 2025 - الساعة 06:14 م
في زحام الصراعات الإقليمة وتقاطع المشاريع الإقليمية والدولية، باتت دولة قطر تمثل حالة فريدة في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط كلاعب يستخدم في لعبة الكبار، لا بصفتها فاعلاً مستقلاً، بل كأداة سياسية وأمنية تُستخدم مرة بعد أخرى في صراعات تتجاوزها حجماً وتأثيراً، تقودها أطراف تمتلك مشاريع إقليمية واضحة مثل إيران، أو قوة استراتيجية عالمية كالولايات المتحدة الأمريكية، أو فاعل مخابراتي متشابك المصالح كإسرائيل.
الحلقة الأخيرة من هذا الاستخدام المزدوج أو الثلاثي بالأحرى تجلت بوضوح عقب الضربات التي تلقتها إيران ضد منشآتها النووية والصاروخية، ومقتل عدد من كبار علمائها. في لحظة انكشاف وضعف، لم تجد طهران وواشنطن وتل ابيب منفساً أفضل من قطر لإنهاء الحرب الدائرة بينهم، عبر توجيه رسالة استعراضية تحفظ ماء الوجه للنظام الإيراني المنهار.
اللافت في الحادثة لم يكن القصف الإيراني بحد ذاته، بل الصمت القطري المطبق. إذ لم يصدر عن الدوحة أي موقف سياسي واضح يُدين الاعتداء على أراضيها، ولم يتم استدعاء السفير الإيراني أو تقديم شكوى لمجلس الأمن أو الجامعة العربية. هذا التجاهل لا يمكن فهمه إلا في إطار قبول مسبق، أو مفروض، بدور الدولة الوظيفية، التي تستعمل حسب الطلب، وتصمت حين لا يُراد لها أن تتكلم.
النظام الإيراني، الذي تعرض لأوسع حملة استهداف استخباراتي وتقني منذ سنوات، لم يكن يبحث عن نصر عسكري بقدر ما كان يسعى لمخرج دعائي. فاختار وبالتنسيق مع النظام الأمريكي والصهيوني ضرب هدف آمن، ضمن نطاق نفوذ الطرف الأمريكي الصهيوني. وهنا لعبت قطر دور الحلقة الأضعف، المستسلمة، التي لم تظهر أي إرادة سياسية لحماية سيادتها أو حتى تبرير ما جرى، بعد استهداف النظام الايراني لقاعدة العديد وانتهاك سيادتها.
لقد نجحت الدوحة في فترات سابقة في بناء صورة لدولة ذات تأثير ناعم، لاعب دبلوماسي، ووسيط موثوق. لكن ما جري اخيراً كشف حقيقتها، ومثل تراجعاً خطيراً عن هذا الدور. لم تعد قطر دولة تحرك، بل أصبحت دولة تُحرّك. تستخدم أراضيها لتصفية حسابات، تهان سيادتها، ولا ترد الإهانات.
إن ما يجري ليس مجرد حدث معزول، بل تراكمات تنذر بأن قطر تسير نحو فقدان استقلالية قرارها. وإذا لم تبدأ الدوحة مراجعة شاملة لسياساتها، فقد تجد نفسها، عاجلاً أو آجلاً، خارج معادلة التأثير، محتجزة في دور الوظيفة الإقليمية التي تحددها مصالح قوى أكبر. وعلى قطر أن تختار إما أن تعود دولة ذات سيادة وموقف، أو أن تبقى أداة تُستخدم حين تُطلب، وتُنسى حين تُستنفد.