الأربعاء - 06 أغسطس 2025 - الساعة 01:30 ص بتوقيت اليمن ،،،
صدى الساحل - أحمد حوذان
في اليمن، حيث تتناثر الأحلام كحبات الرمل في مهب الريح، تتشابك خيوط الحكاية بين صبر شعب وفساد مسؤولين. إنها قصة الفاسدين الذين كالأفاعي، يغيرون جلودهم بحسب الظروف، يتشكلون في كل زمان ومكان بما يخدم مصالحهم الشخصية ويحصّنهم من أي مساءلة. في هذا الوطن الذي أنهكته الحروب، يطلون علينا اليوم بوجه جديد، يرتدون عباءة الوطنية، ويُظهرون حرصًا مزيفًا على المصلحة العامة. يطلون على شاشات التلفاز، يتحدثون عن البناء والتنمية، ويطلقون الوعود المعسولة التي تتبخر مع أول شعاع شمس. وما أن تتغير الأوضاع، حتى تظهر وجوههم الحقيقية، يتماهون مع القوة المسيطرة الجديدة، ويتحولون ببراعة إلى أتباع مخلصين. هم بارعون في فن التلوّن، يختبئون خلف الشعارات البراقة، بينما ينهبون خيرات الوطن في الخفاء، تاركين وراءهم آثارًا من الفقر والخراب الذي لا يمحوه الزمن.
في كل زاوية من هذا البلد، يتردد صدى هذه الأفعى السامة التي لا تكتفي بتغيير جلدها فحسب، بل إن سمّها يتغلغل في كل مؤسسة تطالها يدها، يفسدها من الداخل ويجعلها عاجزة عن أداء دورها.
في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، تظهر هذه الظاهرة بأكثر صورها بشاعة.
في مستشفى كان من المفترض أن يداوي المرضى، تجد الأموال تتبخر في صفقات وهمية. وفي مدرسة كان من المفترض أن تبني الأجيال، تجد الفصول بلا كتب والمدرسين بلا رواتب.
فمع كل انهيار للعملة، وكل ارتفاع في الأسعار، تظهر أيادٍ خفية تستفيد من هذا الوضع. إنهم ليسوا مجرد تجار فاسدين، بل هم تجار أزمات، يستخدمون نفوذهم وسيطرتهم على المؤسسات والصرافات لتعزيز ثرواتهم على حساب معاناة المواطنين.
هم من يتحكمون في سوق الصرف، ومن يرفضون خفض أسعار السلع، لأن انهيار العملة يدر عليهم أرباحًا طائلة. يتقنون لعبة الكراسي، ويعرفون كيف يلتفون على القوانين التي وضعوها بأنفسهم، ويخلقون ثغرات تستفيد منها شبكاتهم الممتدة.
ونحن اليمنيون، أكثر من يعاني من هذه الآفة. فبينما يتقلب الفاسدون من حال إلى حال، يبقى المواطن البسيط يعاني من تدهور الخدمات، وارتفاع الأسعار، وتآكل حقوقه. المواطن الذي يقاتل من أجل لقمة العيش، ويصارع المرض والفقر، بينما يراقب كيف تُهدر ثروات بلاده في جيوب الأفاعي. وما لم يتم اقتلاع هذه الأفاعي من جذورها، ومحاسبة كل من يغذيها ويحميها، فستبقى اليمن أسيرة لدورة الفساد التي لا تنتهي، وسيبقى العدل مجرد حلم بعيد المنال. حلم نتوق إليه، ونأمل أن يأتي يومًا يتحقق فيه، وتعود فيه اليمن السعيد لأبنائها الأوفياء.