الجمعة - 15 أغسطس 2025 - الساعة 03:37 م بتوقيت اليمن ،،،
صدى الساحل - متابعات
مع حلول منتصف شهر أغسطس من كل عام، تحل ذكرى أحد أقدم الأعياد المصرية عيد "وفاء النيل"، ليذكّر المصريين بعلاقتهم الفريدة مع هذا النهر العظيم.
هذا العيد ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل إرث حضاري وطقس رمزي يحمل في طياته قصصًا وأساطير وحكايات ممتدة منذ آلاف السنين، حين كان الفيضان حدثا يحدد مصير الحياة على ضفاف واديه.
وعن عيد "وفاء النيل"، يقول الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات د.أحمد عامر في تصريحات خاصة لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، إن المصريين القدماء قدسوا نهر النيل على مر العصور واعتبروه شريان الحياة والخير لهم، وكانوا يقدمون الأضاحي والقرابين لنهر النيل في شهر أغسطس من كل عام، وكان الهدف من ذلك زيادة خصوبة النيل وانتشار الرخاء وكثرة الزرع.
وأدرك المصري القديم منذ فجر التاريخ أن النيل هو سر البقاء، فهو الذي يأتي بالمياه العذبة والطمي الخصب من أعالي الهضبة الإثيوبية عبر النيل الأزرق، ليغمر الأرض في موسم الفيضان، ويعيد إليها شبابها الزراعي عامًا بعد عام. كان المصريون يترقبون الفيضان كموعد مقدس، فإذا جاء في موعده وبالقدر المناسب، غمرت البهجة القلوب، وإذا تأخر أو قلّ منسوبه، حلّ القلق والخوف من الجفاف والمجاعة.
الحضارة المصرية القديمة ونهر النيل - تعبيرية
وأضاف أحمد عامر: "لم يكن النيل مجرد مصدر ماء، بل كان إلهًا حيًّا في المعتقدات الفرعونية، أطلقوا عليه اسم "حابي"، إله الخير والنماء. ومن أجله ابتكروا طقوسًا احتفالية تجمع بين الشكر والدعاء لضمان وفائه بالماء".
وفي العصور القديمة، كان عيد وفاء النيل مرتبطًا مباشرة بموسم الفيضان، الذي يبدأ عادة في منتصف شهر أغسطس ويستمر لأسابيع. وكان الكهنة يقيسون منسوب النهر باستخدام أداة خاصة تُعرف بـ "مقياس النيل"، لتحديد ما إذا كانت المياه كافية لري الأراضي.
وحول تقديم قربان بشري للنيل والمعروف باسم "عروس النيل" يقول الخبير الأثري أحمد عامر: "إن هناك أسطورة شهيرة حول اختيار الكاهن الأكبر أجمل فتاه في مصر، وإلباسها الحرير والذهب والحلي، وبعد انتهاء مراسم الاحتفال بعيد وفاء النيل تقوم العروسه بإلقاء نفسها في النهر، كقربان لإله الفيضان "حابي"، حتى يمنح مصر فيضانه الوافر، وسُميت أسطورة "عروس النيل".
وأضاف عامر: "تنوعت وتضاربت الأقوال حول هذه الأسطورة، فنجد أنها لا تتعدي روايةً نسجها خيال المصري القديم، من أجل إعلاء مكانةً النيل وما له من أثر بالغ في نفوس المصريين، كما ورد عن أحد الباحثين أن قصة "عروس النيل" ليس لها أساس تاريخي".
"عروس النيل" لم تذكر بالنقوش والبرديات
استطرد أحمد عامر: "النقوش في المعابد المصرية والبرديات التي عدّدت مظاهر الحياة والتقاليد والعبادات لم تذكر حكاية "عروس النيل"، ولو كانت هذه حكاية حقيقة لما كانت النقوش أغفلتها، وبالرغم من ذلك فقد عاشت أسطورة "عروس النيل" في وجدان مصر وتناولها الأدباء والشعراء والفنانين والسينما".
وأضاف عامر: "الحضارة المصرية بأصالتها وعمقها تؤكد كل يوم على وعيها وتحضّره فظلت مصر تحتفي بالنيل العظيم وظلت تناجية في أناشيدها المقدسة، ولكنها أيضاً قدست الإنسان والإنسانية فلم تضحّ بروح إنسان من أجل فيضان النهر الخالد".
اليوم، ورغم توقف الفيضان بعد بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي، ما زال المصريون يحيون ذكرى وفاء النيل في منتصف أغسطس من كل عام، من خلال مهرجانات ثقافية وفنية، ومعارض للحرف اليدوية، وعروض فلكلورية تحكي قصة النهر، بالإضافة إلى حملات توعية بأهمية الحفاظ على مياه النيل وترشيد استخدامها.
ويظل عيد "وفاء النيل" مناسبة لتذكير الأجيال بأن النيل لم يكن يومًا مجرد مجرى مائي، بل هو روح مصر، ومصدر حضارتها، وسر بقائها. على ضفافه كُتبت أولى صفحات التاريخ، وبمياهه رُويت حكايات المجد والصبر والعمل.