الأربعاء - 12 نوفمبر 2025 - الساعة 10:28 م بتوقيت اليمن ،،،
صدى الساحل - أحمد حوذان
منذ اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة اليمنية صنعاء عام 2014 لم يقتصر انقلابها على السيطرة العسكرية، بل امتد إلى العقول والجامعات والمدارس، فالحرب في اليمن لم تعد محصورة في ساحة المعركة وحدها، بل تحولت إلى مواجهة على الوعي، حيث أصبح التعليم هدفًا رئيسيًا في مشروع الحوثيين للسيطرة.
الأكاديميون في مرمى الاستهداف
الأكاديميون في اليمن، من أساتذة الجامعات والمحاضرين والباحثين، يلعبون دورًا محوريًا في المجتمع، فعملهم يتجاوز التدرّيس داخل القاعات ليشمل البحث العلمي والإشراف الأكاديمي، تطوير المناهج، والمساهمة في السياسات الجامعية، إلى جانب تقديم التوجيه والإرشاد للطلبة وتنظيم برامج خدمة المجتمع. إن استهداف هؤلاء ليس مجرد اعتقالات أو تهديدات شخصية، بل يمثل ضربًا مباشرًا للقدرة المعرفية الوطنية والنسيج الاجتماعي اليمني.
الدكتور عبدالعزيز عيدان، أكاديمي بارز، يؤكد: "جماعة الحوثي لا تعيش إلا في بيئة الجهل. كلما زاد وعي الناس، ذابت الجماعة. لذلك تحارب المعلم والأستاذ والطالب، لأنهم نقيض وجودها." بينما يرى الدكتور عبدالله البكري رئيس جامعة حجة أن الجماعة تستهدف تدمير التعليم المدني وتحويل الجامعات إلى أدوات طائفية، لأن كل عقل حر يمثل تهديدًا لبقائها. ويشير الدكتور عبده مدهش الشقري إلى أن الحوثيين لا يحترمون القانون أو مكانة العلماء، مستشهدًا باختطاف البروفيسور حمود العودي لمجرد قوله الحقيقة.
حرب ممنهجة على التعليم والوعي
توضح تقارير حقوقية محلية ودولية أن استهداف الأكاديميين جزء من سياسة ممنهجة. فمنذ 2014 وحتى 2024، قُتل 33 أكاديميًا وأُصيب 98 آخرون، في حين اختُطف أكثر من 630 معلمًا وأكاديميًا وتم فصل 160 آخرين تعسفياً من جامعة صنعاء وحدها. كما أدى تدمير النظام التعليمي إلى تسرب أكثر من 4.5 مليون طالب من المدارس، ما يهدد مستقبل اليمن التعليمي والاجتماعي.
ناشطة حقوقية أكدت أن ما يحدث ليس تصرفات فردية، بل سياسة أيديولوجية تهدف إلى طمس التعليم المدني واستبداله بتعليم طائفي يضمن الولاء السياسي والعقائدي للجماعة. الجامعات اليوم تمثل منابر للولاء لا للمعرفة، والأساتذة الذين يرفضون الانصياع إما يُطردون أو يُسجنون، بينما يُستبدل بهم عناصر موالية للحركة.
الجهل كسلاح بيد الحوثيين
يقول الدكتور فاروق الصباري، عميد مركز اللغات بجامعة إقليم سبأ، إن هدف الحوثيين هو إعادة الشعب اليمني إلى الوراء مئة عام، وكلما تعلم الناس زاد وعيهم بحقوقهم، ما يجعلهم خطرًا على المشروع الحوثي. ويضيف أن تجهيل المجتمع يمثل خط الدفاع الأول لبقاء الجماعة. ويؤكد الدكتور محمد المصباحي أن الحوثيين يعتمدون على الجهل كأساس لسيطرتهم ويريدون تكميم أفواه المثقفين، لأن الأكاديميين يمثلون الطبقة الأعلى في التنوير المجتمعي، وأنه بدون هذه السيطرة الفكرية لا يمكن استمرار مشروعهم.
الجامعات تتحول إلى أدوات تعبئة فكرية
الجامعات اليمنية التي كانت منابر للنقاش الحر والبحث العلمي تحولت تدريجيًا إلى مراكز لتوجيه الطلاب نحو الولاء السياسي، وامتلأت السجون بأساتذة الجامعات الذين رفضوا الانصياع، في حين أصبح الاختيار بين ترديد شعارات الجماعة أو مواجهة تهمة الخيانة واقعًا يوميًا للأكاديميين.
من حرب البنادق إلى حرب العقول
تشير منظمة رايتس رادار إلى أن الحوثيين يخوضون حربًا مزدوجة على الجبهات العسكرية والتعليم في آن واحد بهدف تربية جيل مطيع لا يعرف سوى الطاعة الصماء. ويحذر خبراء من أن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى "جيل فاقد للهوية الوطنية"، وأن الحرب الفكرية التي يشنها الحوثيون قد تكون أخطر من القتال العسكري نفسه.
هل يمكن لليمن النهوض؟
يتفق الأكاديميون على أن الحوثيين حولوا التعليم إلى أداة للسيطرة والتوجيه، وأصبح العبء الأكبر على العقول الحرة والمجتمع المدني. لم تعد المدارس والجامعات مؤسسات للعلم، بل ساحات لغسل العقول وتربية أجيال على الولاء لا على الكفاءة. السؤال الأكبر يبقى: كيف يمكن لليمن أن ينهض بينما نخبه الأكاديمية تُختطف وتُسجن والعقول تُدفن في الزنازين؟