صدى الساحل - بقلم: م.عبدالله النعماني
إنها لحظة اعتزاز وفخر أن نحتفي جميعًا بذكرى السادس والعشرين من سبتمبر، هذه الثورة الخالدة التي صنعت لليمن ميلادًا جديدًا، وفتحت أمام شعبه طريق الخلاص من أغلال الاستبداد والعزلة، نحو آفاق الجمهورية والحرية والكرامة.
ففي فجر ذلك اليوم العظيم، الـ26 من سبتمبر عام 1962، قرر اليمنيون أن يطووا صفحة الظلام والكهنوت، وأن يكتبوا بدمائهم وثباتهم بداية مرحلة جديدة قوامها المساواة والعدالة وبناء الدولة العصرية، وفي حقيقة الأمر، كانت ثورة الـ26 من سبتمبر وما تزال مشروعًا وطنيًا حيًا يتجدد في كل جيل، ويمنح اليمنيين القدرة على مواجهة التحديات والتطلع إلى غدٍ أفضل.
وإذا كانت ثورة الـ26 من سبتمبر قد دشّنت عهدًا جديدًا في تاريخنا، فإن ذلك ما كان ليتحقق لولا بطولات رجالها الأوائل الذين واجهوا جبروت الحكم الإمامي بصدور مفتوحة وإرادة لا تلين، حيث سطّر هؤلاء الأبطال أروع صفحات التضحية، وأثبتوا أن الحرية تستحق أن تُدفع في سبيلها أغلى الأثمان.
إن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد المؤمنين بها، المستعدين لحمل رسالتها مهما كانت التضحيات، ودائمًا ما نقول ونردد إن دماءهم الطاهرة كانت النبع الأول الذي ارتوى منه اليمنيون معاني العزة والكرامة، وهي اليوم تذكّرنا بأن واجب الأجيال هو الحفاظ على منجزات سبتمبر وصونها من كل محاولات العبث.
تمرّ علينا هذه الذكرى العظيمة واليمن يواجه تحديًا خطيرًا يتمثل في الانقلاب المشؤوم، الذي يسعى جاهدًا لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، واستنساخ الحكم السلالي البغيض في ثوب جديد، لقد كشفت السنوات الماضية أن مشروع هذه الجماعة لا يؤمن بقيم الحرية ولا بحقوق المواطنة المتساوية.
إنه يقوم على التمييز ونهب مقدرات البلاد وتدمير مؤسسات الدولة، وما نشهده من قمع وإفقار وتضييق على الحريات إنما هو محاولة بائسة لطمس روح سبتمبر، غير مدركين أن الشعب الذي أسقط الكهنوت بالأمس قادر اليوم على إسقاط أي محاولة لبعثه من جديد.
ومن ثم، فإن قيم سبتمبر - الحرية والعدالة والمساواة - تمثل اليوم هوية وطنية جامعة لكل اليمنيين، وهي صمام الأمان لوحدة الصف ولمّ الشمل وتوحيد الكلمة وتماسك المجتمع، ومن واجبنا جميعًا أن نحافظ على هذه القيم وأن نغرسها في وعي الأجيال الصاعدة.
حتى يبقى سبتمبر نبراسًا ينير طريقنا نحو المستقبل، ودرعًا يحمي اليمن من مشاريع الارتداد والاستبداد، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتكاتف الجهود، ودعم جيشنا الوطني ومقاومتنا الباسلة، وتعزيز مسار التشاور والمصالحة بين القوى الوطنية على قاعدة الولاء للجمهورية ودولة القانون.
وفي هذه المناسبة المجيدة، نوجّه التحية لشعبنا العظيم الذي يواصل تمسكه بجمهوريته رغم المعاناة، ونشدّ على أيدي الأبطال المرابطين في جبهات الدفاع عن الوطن، مؤكدين أنهم الامتداد الطبيعي لرجال سبتمبر الأوائل، وأن تضحياتهم ترسم ملامح يمنٍ جديد يتسع لكل أبنائه.
كما ندعو المجتمعين الإقليمي والدولي إلى الوقوف بجانب إرادة اليمنيين، ودعم حقهم في استعادة دولتهم وصون كرامتهم وتحقيق السلام العادل والمستدام.
وإذن، فإن ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر تعتبر دعوة متجددة للوفاء لقيم الحرية والجمهورية، وتجديد العهد للشهداء بأننا ماضون على دربهم حتى يستعيد اليمن مكانته الطبيعية بين أمم العالم، حرًا آمنًا مزدهرًا. رحم الله شهداء الثورة وكل من ارتقوا في سبيل الدفاع عن اليمن، وحفظ الله بلادنا وشعبنا، وأعاد علينا هذه الذكرى وقد تحققت آمال شعبنا في الحرية والسلام والنهوض.
* القائم بأعمال رئيس حزب التضامن الوطني، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، عضو هيئة التشاور والمصالحة