اخبار وتقارير

الجمعة - 17 أكتوبر 2025 - الساعة 09:50 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - محمد الجنيد



الحديدة، مدينة البحر والنوارس، والسهل والجبل، والإنسان الطيب. هناك حيث يمتزج البحر بالسماء، والنخيل برمال الشاطئ، يظل الزمن ينسج من الأمس حكاياته، وفي الحاضر تحدياته. كانت الحديدة قبلة للهدوء وروح الجمال، وساحة للاشتياق والسعادة في كل نظرة، في كل نسمة بحرية.

الحديدة كما عرفها الأمس

كانت الرحلة إليها من صنعاء مغامرة روحية. السيارة تنطلق غربًا عبر الجبال، والشمس تتسلل بخجل بين بيوت المدينة، وتتركها تبدو كجوهرة تنبض بالحياة. عند الوصول، يفتح البحر أبوابه، وتتهادى أمواج الشاطئ برفق، بينما تنقش النوارس رقصاتها في السماء. المدينة بأزقتها، وأسواقها، ومآذنها، وجوامعها، تحمل عبق التاريخ ودفء أهلها الطيبين.

الحديدة كانت قلبًا نابضًا بالفن والإبداع. أوبريت "يمن العرب" والشعر والغناء والموسيقى، كانت تروي قصص الوحدة والطموح، بينما فرقة الزرانيق الشعبية تنبض بالحياة، وتنثر الفرح في كل مكان، من بيت الفقيه إلى مسارح العالم. كانت المدينة مدرسة للجمال، وملهمة لكل من يطأ أرضها.

الحديدة اليوم.. جمال تحت الاختبار

لكن اليوم، الحديدة تواجه عبثًا ممنهجًا أودته ميليشيات الحوثي، حيث دمّروا البنية التحتية، وحاصروا حياة الناس اليومية، وتهدّمت المدن التاريخية: الزبيدي، الدريهمي، الخوخة، والفازة. نهبوا وثائق التراث الوطني، وحرقوا مبانٍ أثرية، وعطلوا الاقتصاد المحلي عبر السيطرة على الموانئ ومصادر العيش، ليصبح البحر والسهل والسكان تحت وطأة الخراب والإهمال.

ومع ذلك، يبقى الأمل حيًا. منتدى الدهني للثقافة والفنون، والمثقف المجتهد، يسعون للحفاظ على روح المدينة الإبداعية، مستمرين في نقل المعرفة، وتنشيط الحياة الثقافية، رغم التحديات والقيود.

الحديدة بين الأمس واليوم

الحديدة ليست مجرد مدينة؛ هي تجربة للحواس، لوحة فنية طبيعية، ومعلم حضاري وثقافي. البحر فيها يغني، والشواطئ تحتضن أقدام الزوار، والنخيل يشهد على تاريخٍ طويل. لكنها اليوم تحتاج إلى دعم وحماية لإعادة إشراقة الأمس، واستعادة مكانتها كعروس البحر الأحمر، قبلة للهدوء والجمال والطمأنينة، بعيدًا عن أيدي التخريب والعبث.

الحديدة الأمس ما زالت في قلب من يعرفها، والحديدة اليوم تنتظر من يكتب عنها غدًا بحب ووعي، ليبقى اسمها رمزًا للحياة والجمال والصمود رغم كل محاولات الطمس والتدمير.


---