كتابات وآراء


الجمعة - 25 يونيو 2021 - الساعة 07:52 م

كُتب بواسطة : ا.د عبدالودود مقشر - ارشيف الكاتب


وهل اتاكم حديث معركة القصرة بين الأتراك و الزرانيق في يونيو - يوليو ؟ وذبح الوالي التركي باليمن..
وصل الوالي التركي مصطفى باشا (تلقبه المصادر العثمانية بونابرت) إلى الحديدة مركز ولاية اليمن العثمانية في الثامن من رجب 1268هـ / السابع والعشرين من ابريل1852م وتصفه المصادر اليمنية انه (أطلق أكف المطامع وأحدث في المكوس وغيرها شرّ البدائع وتعدى على السادة والعلماء ولم يلتفت إلى عذل عاذل من الحلماء فنفرت منه القلوب وتنمرت القبائل عليه)
وتنمر القبائل يبدأ بُعيد هذه الإجراءات الاستفزازية مباشرة, فقد بدأت الهجوم من الجنوب بسبب التطبيق الإجرائي للضرائب والجبايات, حيث استنجد الشريف عبدالله بن شرف العبدلي المقلد بأعمال المخا وبروره بالوالي في الحديدة, وذكر أن القبائل التهامية قد تمردت ووقع منها الخلاف ضد العسكر وبدءوا يهاجمون المخا, وتم قطع طرق المواصلات بين الحديدة والمخا, فحشد الوالي قواته التي قدم بها بحراً واتجه إلى المخا, وبعد معارك ضد هذه القبائل وصل إلى زبيد.، ثم اراد اخضاع الزرانيق، فأول أعماله ضد الزرانيق, إرساله "عامل" إلى الجاح - من معاقل الزرانيق- فكان مصير هذا العامل إزهاق روحه مع القوة العثمانية المصاحبة له على يد الزرانيق والقراشية، ثم في نفس شهر رمضان 1268هـ / يونيو1852م, كانت الحادثة الثانية التي فجرت الثورة, فقد كان قائمقام بيت الفقيه هو القائد العسكري سرجسمه / عبد البرج آغا وكان ضابطاً تركياً أرعن وذلك أنه (طلب بعض مشايخ الزرانيق , فضيق عليه في بعض المطالب, فبذل بعضاً وطلب في الباقي الانتظار, فلم يقبل منه ذلك الاعتذار, فناله بطرف الاهانة من الصفع بالنعال, فتكدر منه البال وثارت منه الحفيظة وسار إلى قبائله الزرانيق ووصف لهم ما وقع فيه من الهوان) ,فأجمع رأيهم على قتال الاتراك وعدم المسالمة في هذا الشأن فتفرقوا بتهامة في الحادي والعشرين من رمضان 1268هـ / الثامن من يوليو1852م مع بقية قبائلها وقتلوا كل من وجدوه منهم من الترك في كل مكان، (حتى بلغ أن القتلى انتهى إلى عشرين إنسان, فخرج عبدالبرج بأصحابه ثاني يوم من هذه الحادثة الثاني والعشرين من رمضان1268هـ / التاسع من يوليو 1852م واتصل بقرية الجاح وعند وصوله قامت الحرب على ساق , فكانت الدائرة عليه, وانتهى بهم الفرار إلى بيت الفقيه بعد أن ذهب منهم جماعة بعضهم من تحت السيف وبعضهم بالظمأ) , ولكن مصطفى باشا أرسل بقوة عسكرية مع ثلة من (جامعي الضرائب الأتراك في اليمن فما كان إلاّ أن أقدم عرب الزرانيق على اغتيال هذه الجماعة المكونة من خمسة عشر جندي من جامعي الضرائب) تلقى الوالي مصطفى باشا هذه الأخبار المفجعة بصدمة عميقة أثرت على نفسيته وقيادته, فقد طرق مسامع الباشا هذا الخبر وهو في زبيد مستقر، فخرج قاصداً بيت الفقيه للانتقام من هذه الاعتداءات ولتأديبهم وقد بلغه من جواسيسه في المنطقة, أن القبائل اليمنية تجمعت في "القصرة" وهي الغابة الواقعة على بعد ثلاث ساعات في طريق الحسينية إحدى قرى بيت الفقيه, وان خبر استعداد الوالي للخروج قد بلغ القبائل عن طريق جواسيسهم أيضاً, فسرت شائعات أن هذا الوالي خرج يضرب ويذبح الرعاة وأمثالهم الذين يظهرون أمامه, فكانت تلك إحدى وسائل الحرب الإعلامية التي اتبعتها المقاومة وكسبوا أهالي تهامة إلى جانبهم، أما الوالي نفسه, فكان واقعاً تحت تأثير صدمة ضربات المقاومة لقواته, فخرج لا يلي على شيءٍ من أمره, وبقوة تقدر بثلاثمائة شخص واستصحب معه مدفعين وانفصل عن زبيد يوم السابع والعشرين من شهر رمضان / الرابع عشر من يوليو1852م, ووصل إلى حدود قبائل الزرانيق صباحاً, فدخل القصرة فلما توسطها كما قال عاكش:- (وقع في لهوات الأسود وتداعت عليه القبائل من كل جهة ونشب القتال هناك وعصفت على الباشا رياح المنايا السود, فدارت عليه وعلى عسكره الدوائر) ، وأما مقاتلي المقاومة اليمنية فكانوا يتجمعون شيئاً فشيئاً وكثر عددهم وهو تكتيكهم الحربي الدائم (فلما وصل الجنود الأتراك إلى نهاية الغابة, صار وقت الزوال وبما أن الموسم كان في أواسط تموز- يوليو-، فقد أثرّ الحر والعطش على الجنود واستولى عليهم التعب والكسل، وبما أن الحرب دامت من الصباح الباكر حتى وقت الظهر, فقد تعطلت البنادق من كثرة الرمي, وعندما علمت القبائل المذكورة بهذه الحالة هجموا بشدة مرة واحدة على الجنود، وسيطروا على المدافع والعلم وأحاطوا بهم من كل جانب، وبدأ الباشا المذكور يقاتل بالمسدس وقد هزمت القبائل من معه من العساكر، فأنقذ نفسه من بين المهاجمين ونجا من هذا الهرج والمرج ومعه بعض الجنود من دائرته وغيرهم, فأخذ طريق بيت الفقيه وقبل أن يصل إلى المحل المذكور بمسافة ساعة, سقط فجأة من ظهر حصانه على الرمال ولا يعلم إن كان هذا بسبب حزنه أو إصابته بمرض أو إنه أصيب في المعركة بطلق ناري من الزرانيق وقيل إنه مات بالظمأ , فهو في تهامة وفي أشد أيامها حرارة وعند سقوطه على الرمال كان الزبد يخرج من فمه، فطلب إليه أتباعه أن يشرب الماء ولكنه لم يشرب وقال:- إن أجلي قد جاء, فصبوا الماء على رأسه فتوفي في الحال من الإجهاد في اليوم التالي في الثامن والعشرين من شهر رمضان / الخامس عشر من يوليو1852م, فأخذ نعشه إلى بيت الفقيه ودفن في القلعة) ، كانت النتائج وخيمة على الاتراك وبدايات فشل لتجربة تطويع الزرانيق ومقاومتها, فقد (غنمت القبائل المدافع والخيام وخزنة دراهم وجميع ما حواه معسكرهم) ، ولكن الأدهى هي الخسائر البشرية في الجيش العثماني, فالقتلى والي برتبة باشا , وضابط برتبة قائم مقام سرجسمه وضباط آخرون برتب مختلفة ومئات الجنود, فقد كانت هذه المعركة مذبحة لخيرة الضباط والجنود الاتراك في تهامة وانتقام لمذبحة الصنيف ورغم أن المصادر التركية تذكر مقتل (أكثر من 100جندي ودفنوا كلهم في بقعة واحدة من هذه الأرض) , ولكن بعملية حسابية بسيطة يتضح أن القتلى أكثر من ذلك بكثير خاصة إذا أخذ في الاعتبار بأن الذين عادوا مع الباشا(كانوا نفراً قليلاً من أتباعه لا يتجاوزن العشرون) ، فأين بقية الثلاثمائة حسب رواية راشد بك أذا أخذ بها ؟.(مقشر، عبدالودود، حركات المقاومة والمعارضة في تهامة)