سلطة الحوثي لنهب الشعب

تهامة منكوبة...

مليشيا الحوثي تستهدف السفينة روبيمار و تُغرق اليمن



كتابات وآراء


الجمعة - 20 يونيو 2025 - الساعة 05:11 م

كُتب بواسطة : الكاتب / مصطفى بن خالد - ارشيف الكاتب




نحن اليوم حقيقةً لم نعد أمام مجرد صراع نووي مؤجل أو حروب بالوكالة المألوفة في المنطقة .

لقد دخلنا فعلياً إلى أخطر مراحل الاشتباك بين إيران وإسرائيل منذ أربعة عقود :
مواجهة تتكثف يوماً بعد يوم عبر البر والبحر والجو والفضاء السيبراني وأذرع الحلفاء في محيط إقليمي محموم، قابل للاشتعال الكامل في أية لحظة .

هذه ليست مواجهة عسكرية صرفة، بل صراع بنيوي يتشابك فيه :
• الأمن القومي الوجودي للطرفين .
• العقيدة العقائدية والسياسية .
• التوازنات الإقليمية والدولية المتغيرة .
• شبكات الوكلاء وأدوات الضغط غير التقليدية .
• هندسة الحرب النفسية والإعلامية .

وكل ذلك ضمن بيئة دولية تعاني من حالة انقسام في موازين القوى الكبرى بين واشنطن وموسكو وبكين .

المحور الأول :
الجذور العميقة للصراع — أكثر من صراع سياسي

• منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، أعلن النظام الإيراني صراحة أن “ تحرير القدس” و” إزالة إسرائيل ” جزء من جوهر مشروعه الثوري .

• بالنسبة لإسرائيل، يشكّل الوجود العسكري والأمني لإيران وأذرعها في المحيط الإقليمي — من لبنان وغزة والعراق واليمن، وصولاً إلى التمركز المحدود والحذر في سوريا تحت ضغط الاستهدافات الجوية — تهديداً متصاعداً لأمنها القومي على أكثر من جبهة استراتيجية •
• في العقل الاستراتيجي الإسرائيلي، المشروع النووي الإيراني هو التهديد الوجودي الأعظم — بينما ترى إيران في المشروع النووي ضمانة لبقائها وردعاً لأي مغامرة إسرائيلية أو غربية .

المحور الثاني :
تطور أدوات الاشتباك — من السر إلى العلن

على مدار السنوات الماضية، نشأت “ حرب ظل ” غير تقليدية تجري في خمس جبهات متداخلة :

1- الحرب السيبرانية
• هجمات متبادلة بين الموساد ووحدات الحرب الإلكترونية الإيرانية .
• استخدام فيروسات متقدمة مثل Stuxnet لتعطيل منشآت التخصيب .
• قرصنة بيانات استخباراتية وسرقة برامج الطائرات المسيرة .

2- حرب الطائرات المسيرة
• تصاعد عمليات الطائرات الانتحارية الإيرانية سواء من داخل إيران أو عبر الحلفاء في لبنان وسوريا والعراق واليمن .
• إسرائيل بدورها طورت شبكة رادارية وأسلحة ليزرية لمواجهة الطائرات المسيرة على عدة جبهات .

3- الاغتيالات والضربات الدقيقة
• اغتيال علماء نوويين في قلب طهران :
- محسن فخري زاده .
- داريوش رضائي نجاد
- مصطفى أحمدي روشن
- مجيد شهرياري
- مسعود علي محمدي
- عزت الله أحمدي
وغيرهم الكثير
هذه الاغتيالات ليست عمليات فردية معزولة ؛ بل تأتي ضمن برنامج إسرائيلي طويل الأمد أطلق عليه داخل الأوساط الاستخباراتية اسم “ Breakout Prevention Strategy ” أي :
استراتيجية منع إيران من بلوغ عتبة القدرة النووية العسكرية .

• ضربات جوية إسرائيلية شبه أسبوعية ضد شحنات الأسلحة الإيرانية في مناطق واسعة .
• عمليات استخباراتية معقدة لتفكيك شبكات إيران اللوجستية في الشرق الأوسط .

4- المواجهة البحرية
• عمليات استهداف السفن وناقلات النفط في الخليج والبحر الأحمر .
• تحرشات متبادلة في مضيق هرمز والسواحل في الخليج والحر الأحمر والمتوسط.

5- الاشتباك عبر الوكلاء
• حزب الله في لبنان ( الجبهة الشمالية الأخطر على إسرائيل ) .
• حماس والجهاد الإسلامي في غزة .
• الحوثيون في اليمن كقوة تهديد إستراتيجي على خطوط الملاحة العالمية .

المحور الثالث :
لحظة التحول — لماذا أصبح الصراع مكشوفاً ؟

• انتقال إيران من سياسة “ الصبر الاستراتيجي ” إلى “ الرد المحدود المدروس ” في أكثر من ساحة .
• تزايد جرأة الضربات الإسرائيلية في العمق الإيراني .
• سقوط خطوط حمراء تقليدية كان معمول بها لسنوات .
• تصاعد نفوذ الحرس الثوري في هندسة القرار العسكري والسياسي لطهران .
• تطور منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ( خرداد 15 ومرصاد وباور 373 ) مما حدّ جزئياً من التفوق الجوي الإسرائيلي .
• توسيع إسرائيل لتحالفاتها الإقليمية في الخليج وأذربيجان والقوقاز، ما يفتح جبهات تهديد إضافية على إيران .

المحور الرابع :
معادلة “ الحرب الكبرى ”

إذا انفجر الصراع إلى مواجهة شاملة — فسنكون أمام خريطة اشتباك غير مسبوقة قد تشمل :

المحور الطرف الإيراني - الطرف الإسرائيلي

الجبهة البرية :
إيران وأذرعها :
حزب الله، ميليشيات عراقية، الحوثيون .
إسرائيل :
الجولان، الحدود اللبنانية، الضفة الغربية.

الجبهة الجوية
إيران :
صواريخ باليستية ومسيرات بعيدة المدى .
إسرائيل:
سلاح الجو المتفوق، القبة الحديدية، أرو 3 .

الجبهة البحرية
إيران :
مضيق هرمز، بحر عمان، البحر الأحمر .
إسرائيل:
سلاح البحرية الإسرائيلية والدعم الأمريكي .

الحرب السيبرانية
إيران:
الهجوم على البنية التحتية الإسرائيلية .
إسرائيل :
شل برامج إيران النووية والدفاعية .

الجبهة الإعلامية والنفسية
إيران :
تعبئة أيديولوجية لمحور المقاومة .
إسرائيل:
دعم إعلامي غربي كامل وتحالفات إقليمية عربية .

المحور الخامس – المعضلة الأمريكية :
لعبة توازن خطيرة في عهد ترامب

في قلب المشهد المشتعل، تقف الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب أمام مفترق طرق تاريخي :
• من جهة، يحاول البيت الأبيض تجنّب الانفجار الكامل للصراع، تفادياً لانهيار أسواق الطاقة العالمية، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في مضيق هرمز والبحر الأحمر .
• ومن جهة أخرى، يواصل ترامب دعم إسرائيل دون سقف سياسي أو عسكري، من خلال تسريع برامج المساعدة الأمنية ونقل منظومات متطورة، وفي الوقت نفسه تصعيد الضغوط القصوى على طهران بالعقوبات والتهديدات المباشرة .

لكن المستجد الأبرز في سياسة ترامب الثانية هو أن إدارته لا تستبعد – بل تدرس بجدية – خيار دخول مباشر في الحرب إذا رأت فيه فرصة استراتيجية لإسقاط النظام الإيراني أو شلّ قدراته النووية، وبالتالي تحقيق “ الجائزة الكبرى ” التي طالما سعت إليها واشنطن منذ 1979 .

إنها لعبة توازن خطيرة بين كبح الانفجار…
والرهان على الهيمنة .

الخلاصة الاستراتيجية :

لم يعد الصراع بين إيران وإسرائيل مجرد اشتباك بالوكالة أو مناوشات على هامش الجغرافيا .

نحن أمام مواجهة تنزلق بسرعة إلى قلب النار، وتهدد بتفجير أكبر حرب إقليمية منذ نشأة النظام العالمي الحديث .

فمع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تغيّر ميزان الرهانات، وأرتفع منسوب التهور الاستراتيجي .

فقد عادت واشنطن إلى سياسة “ الردع بالقوة ”، ما يعني أن أي خطأ في التقدير، حتى لو كان بسيطاً، قد يشعل فتيل حرب الشرق الأوسط الكبرى — حرب لا سقف لها، ولا مخرج منها، ولا أحد يضمن أين ومتى تتوقف .

هذا الصراع لم يعد تقليدياً ولا مؤقتاً، بل تحوّل إلى صراع وجودي مكتمل الأركان، تشترك فيه عدة عناصر متشابكة :
• العقيدة الدينية التي تحكم نظرة طهران لطبيعة إسرائيل، ونظرة تل أبيب لما تسميه “ التهديد الشيعي ” .
• حسابات القوة الصلبة :
صواريخ، مسيّرات، غواصات، ومظلات نووية .
• القوة الناعمة :
نفوذ إعلامي، رمزي، وثقافي داخل المجتمعات .
• شبكات الحلفاء والوكلاء :
من حزب الله في لبنان، إلى الحوثيين في اليمن، مروراً بميليشيات العراق وسوريا، ومراكز الضغط في واشنطن وتل أبيب .
• الحروب السيبرانية المتقدمة :
حيث تُخترق المنشآت النووية بكبسة زر، وتُدار المعارك الخفية على أسلاك الإنترنت لا أقل من ساحات القتال .

أخيراً :
تغيّرات بنيوية في النظام الدولي نفسه، في ظل انسحاب روسي جزئي، وصعود صيني متريث، وتفكك في بنى الردع الجماعي ما بعد الحرب الباردة .

إدارة ترامب لا تخفي نواياها :
هناك من يضغط لشن الحرب الآن، طمعاً في إعادة رسم خارطة الإقليم قبل أن تكتمل القنبلة الإيرانية .

بينما هناك من يحذر من الوقوع في شرك الحرب المفتوحة التي قد تتوسع لتطال الخليج، والبحر الأحمر، وربما المتوسط نفسه .

نحن إذاً أمام لحظة حساسة في تاريخ الشرق الأوسط :

إما أن تُدار بحنكة استراتيجية عالية… أو تنفجر كأكبر زلزال جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين .

ولا مبالغة في القول إن ما يحدث اليوم بين إيران وإسرائيل، قد يُحدّد شكل العالم غداً .