السبت - 21 يونيو 2025 - الساعة 09:49 م
عدن …
حيث يُساق الأحرار كالأضاحي
من أرض بلقيس وأروى، من البلاد التي أنجبت ملكات حكمن بالحكمة والعدل، تعود الأصوات النسائية الحرة لتكتب فصلاً جديداً من النضال في زمن الردة الحقوقية .
عفراء الحريري ومها عوض … ليستا مجرد ناشطتين، بل رمزاً لعدالة مقهورة وصوتاً لنساء يُنتزعن من إنسانيتهن كل يوم في عدن .
عدن …
مدينة الشمس والتعدد والتاريخ، تحوّلت اليوم إلى زنزانة مفتوحة، بلا كهرباء، بلا ماء، بلا خدمات، وسط غلاء فاحش ورواتب لا تكفي ليومٍ واحد .
يُطلب من الناس الصمت، ويُعامل الأحرار كما تُعامل القطعان، ويُساقون إلى مراكز الأمن دون تهمة أو قانون، لمجرد أنهم رفعوا صوتاً يطالب بالحياة .
في حوش قسم شرطة المعلا، جُرّت عفراء ومها كما تُساق الأضاحي، حُرمتا حتى من قطرة ماء، أُغلقت الأبواب خلفهما، لا تحقيق، لا اتهام، لا أوراق قانونية .
مجرد قرار بوليسي همجي، يعكس حقيقة السلطة التي تحكم باسم الأجنبي وتمارس القمع باسم السيادة .
لم تطالبا إلا بحق، ووجدا نفسيهما داخل آلة من التوحش الأمني المعتاد في هذا الزمن البائس، حيث كرامة النساء تُنتهك، وحقوق المواطنين تُصادر، والحرية جريمة .
في عدن اليوم، لا سلام، لا عدالة، لا خدمات … بل سلطة تغطي فشلها بالخوف، وتُراكم ثرواتها على حساب الجوعى والمظلومين .
لكن رغم الألم، تظل عفراء ومها امتداداً حياً لبلاد الملكات، حيث لا تنكسر النساء، ولا تُهان الكرامة، وحيث الحرية لا تموت مهما اشتدّ القمع .
في قلب المدينة التي تنبض بتاريخ الملوك والملكات، حيث لا تزال جدران عدن تشهد على حضارة وكرامة لا تغيب، تتكشّف فصول قمعٍ فاضحٍ تمارسه سلطة الأمر الواقع – المجلس الانتقالي – وقد تحوّلت من حاملٍ لقضية كما يدعي إلى آلةٍ عمياء تطحن الكرامة وتُمعن في سحق الحريات، حتى باتت تمارس القهر كسياسة، والخوف كلغة يومية .
في قسم شرطة المعلا، حيث تُغلق الأبواب كما تُغلق نوافذ الأمل، وحيث يتحول القانون إلى سوط في يد الجلاد، تسطع قصة عفراء الحريري ومها عوض كمرآة تعكس بشاعة الواقع؛ هناك، لا يُسمع صوت الحق بل يُخنق، ولا تُحترم الكرامة بل تُسلب بدمٍ بارد تحت لافتات جوفاء وشعارات مزيفة تدّعي الحرية وتدوسها .
ليست قصتهما مجرد حادثة فردية تُروى، بل هي مرآة دامية تنعكس عليها ملامح جنوبٍ أنهكته الجراح، وتطوي بين طياتها وجع أمة حُلِم لها بالنجاة، فإذا بها تُساق إلى قمعٍ أشد، وظلامٍ أعمق، وأدوات أكثر تحايلاً وفتكاً، وفساداً هو الأبشع والاقطع، إنه التاريخ يعيد نفسه بلا رحمة، لكن هذه المرة … بوجوهٍ مألوفة وأيادٍ من أدغال التاريخ وأزقة التخلف .
عدن … المدينة التي كتبت الملكات أول سطور العز والحرية، تُجلد اليوم بالصمت والخوف، وتُحاصر فيها الأصوات الحرة كما تُحاصر الأحلام في العتمة .
في زمنٍ تبدّلت فيه الشعارات، وباتت السلطة الأمنية في عدن الحبيبة تتقن صناعة القمع أكثر من إدارة الحياة، يُحتجز الأمل خلف الأقفال .
عفراء الحريري ومها عوض، اسمان من نور، يمثلان ضميراً حياً في زمن القسوة، تُلاحَقان لأنهما قررتا قول الحقيقة .
ليست مجرد قضية فردية، بل فصل جديد من ملاحم النساء في عدن — من أروى الصليحية إلى عفراء ومها — حيث الكرامة لا تُستجدى، بل تُنتزع .
من بلاد الملكات…
تُساق الحرائر إلى الزنازين
في مدينةٍ عرفت الملكات، وصنعت المجد بعرق النساء ودماء الأحرار، تعود عدن لتكتب فصلاً موجعاً من فصول الخذلان .
هناك، في مدينة الشمس والبحر، حيث كانت أروى تسود، وتهامة ترفع رايات العدل، سقطت الأقنعة عن سلطة جاءت من الظلام البعيد تدّعي تمثيل عدن، بينما هي تغتال روح عدن الحرة وتدوس على كرامة أبنائها وبناتها .
المحامية عفراء الحريري، أسمٌ لا يُجهله من يعرف نضال المرأة العدنية .
صوتها الذي لطالما حمل قضايا المسحوقين والمعتقلين والمظلومين، جرى إسكاته ذات مساء في قسم شرطة المعلا .
لم تكن مذنبة، بل كانت تُعاقب لأنها تجرأت على قول الحقيقة في وجه سلطة صُنعت من التزييف والتخوين والمال السياسي .
وإلى جوارها، كانت مها عوض، الحقوقية والمناضلة الجسورة، التي كتبت تاريخاً من الحركة النسوية اليمنية والمواجهة السلمية، والذود عن النساء المهمّشات، والعدالة الاجتماعية .
أُخذت مها من الميدان إلى الزنزانة، ليس لأنها خرقت القانون، بل لأنها سطّرت جرح الوطن بحروفٍ لا تُغفر للطغاة .
في قسم شرطة المعلا، حيث تُغلق الأبواب في وجوه المحتجين، وتُمارس صنوف الإهانة والتعذيب النفسي، كُشفت القصة كاملة :
عدن لم تعد تحكمها القوانين، بل صارت تدار بمنطق المحسوبية والعصابات .
الحرائر يُسقن إلى الزنازين، كما تُساق الأضاحي، ويُحاصر الضوء في مدينةٍ كانت منارة الوعي اليعربي والانساني والتقدمي للمنطقة بأسرها .
هذا ليس حدثاً عابراً، بل جريمة بحق إرث نضالي نسويّ وعدنيّ طويل، جريمة تُظهر كيف أن من رفعوا شعار “ استعادة الدولة ” لم يستعيدوا سوى أدوات التبعية والقمع ونهب المال العام، وأسوأ ما في الجمهوريات الزائفة .
فعدن، التي كانت سيدة الموانئ وموئل الفكر، تعاني اليوم من انقطاع الكهرباء والماء، الغلاء الفاحش، والرواتب التي لا تكفي ليوم واحد، وحين يصرخ أهلها، يُعتقلون .
عفراء ومها، ليستا مجرد أسمين، بل رمزين لمستقبلٍ يُراد له أن يُدفن، لحلمٍ بعدنيّ نقيّ يُراد له أن يُشوَّه، لمدينةٍ تُخنق بين فكي الأمن المدجج، والتحالفات المشبوهة .
لكن، رغم الزنازين، تبقى صرختهما أقوى من الرصاص، ويظل الحرف الذي كتبتاه شاهداً على عصرٍ من التواطؤ والعمالة والارتهان .
عدن، التي خَرّجت الملكات، لن تظل ساحةً للقمع .
ومن بلاد الملكات، ستعود الحرية، وستخرج عفراء ومها كما خرجت أروى من محنتها :
أكثر صلابة، وأكثر مجداً .
إن الحادثة التي وثقتها المحامية والناشطة عفراء الحريري في شهادة مؤثرة وصادمة، تكشف بوضوح حجم الانهيار المريع في مؤسسات الأمن التي كان من المفترض أن تحمي الحقوق وتؤمن الحريات .
ففي مشهدٍ ينقلنا إلى عصور الظلام، تم اقتيادهما – عفراء ومها – كـ”صيدتين بشريتين”، بعد مشاركتهما في مظاهرة سلمية نسائية تطالب بالكرامة والعدالة، دون أن يُسمح لهما حتى بالحصول على أبسط حقوقهما القانونية .
لم يُوجه لهما أي تهمة واضحة، ولم يُطلب منهما تقديم هويتهما، كأنهما مجرد أشياء تُساق بلا وجه حق، وسط تهديدات لفظية وأجواء مشحونة بالكراهية والظلم لسكان عدن .
هذا السلوك الذي يكشف عن فساد عميق وانحطاط غير مسبوق، لم يكن اعتقالًاً عادياً، بل رسالة مروعة من سلطة تخشى صوت النساء الحرائر، وتحاول بث الرعب عبر قمع الكرامة واحتقار القانون واضطهاد الناس .
وثيقة الحريري ليست مجرد سرد لحادثة، بل مرآة قاتمة تعكس مأساة شعب يرزح تحت وطأة نظام أمني تبعي أصبح عدواً للشعب والوطن، ومصدراً للخوف لا للأمان، يقضي على كل حلم بالحرية والعدالة في عدن .
في قلب عدن المختنقة بالقمع والفوضى …
عفراء ومها تواجهان آلة البطش العمياء
بأوامر صارمة، أُغلقت أبواب قسم شرطة المعلا خلف المحامية عفراء الحريري والناشطة الحقوقية مها عوض، وكأن المدينة لم تعد تعرف سوى سجون الصمت .
مُنعتا من شرب الماء، ومنعا حتى من التواصل مع العالم الخارجي، في مشهد أقرب إلى ممارسات السجون السرية، لا إلى سلوك دولة يُفترض أن تُحكم بالقانون وتُدار بمبادئ العدالة .
كانت تلك الساعات المظلمة من الاحتجاز التعسفي بمثابة مرآة مرعبة لما آلت إليه عدن، المدينة التي لطالما كانت منارة للحرية والنضال .
فبدلاً من أن تكون مركزًا للسيادة المدنية، تحوّلت – تحت سلطة المجلس الانتقالي – إلى معسكر مغلق تدار فيه شؤون الناس بقبضة أمنية خشنة، تُخرس الأصوات الحرة وتلاحق المدافعين عن الحقوق، وتستبيح كرامة المواطن .
في ظل حكم الأمر الواقع، لم تعد حرية التعبير مجرد خطر، بل صارت جريمة يُعاقَب عليها بالصمت أو العزل أو السجن .
بينما تغرق مؤسسات الدولة في الفساد والمحسوبية، وتنهار منظومة العدالة تحت أقدام الفوضى، يُعاد تشكيل الأمن ليصبح أداة ترهيب لا حماية، وسوطاً سياسياً يضرب بوحشية كل من يرفع صوته في وجه الظلم .
لقد أصبحت عدن – بما تشهده من انتهاكات مروعة في حق النساء بساحات الاحتجاج – شاهداً حيّاً على لحظة فارقة :
لحظة يتحوّل فيها الحلم بالحرية إلى كابوس يومي، وتغدو المطالبة بالحقوق تهمة، والنزاهة خطيئة، والكرامة صداءً مكتوماً في أروقة السجون .
من قلب الجنوب …
تُجلد الكرامة بأيدي من رفعوا شعاراتها
عفراء الحريري، ومها عوض… اسمان لم يرتبطا إلا بالنضال والصدق والكرامة .
أفنتا سنواتٍ طويلة في دروب الدفاع عن حقوق الإنسان، ووقفَتا في وجه الطغيان بشجاعة الأنقياء .
لكن اليوم، تُهان كرامتهما تحت لافتات مزيّفة تُتاجر باسم “ الجنوب ”، في مشهدٍ يُلخص مأساة مدينة تحوّلت فيها الشعارات إلى أقنعة، والسلطة إلى سوط .
لم يكن احتجازهما مجرد حادثة عابرة، بل إدانة واضحة لنظام يفرّغ القيم من معناها، ويستبدل المبدأ بالبطش .
ففي وقتٍ تتسع فيه دائرة السجون السرية، وتتآكل فيه مؤسسات العدالة، تضيق المساحات على الكرامة والحرية، وتُحاصر الحقيقة خلف جدران التخوين والتخويف .
إن ما جرى لعفراء ومها لا يعكس فقط انحدار المنظومة الأمنية، بل يفضح زيف خطاب يدّعي تمثيل، عدن، بينما يمارس ضد أهلها القمع والاضطهاد .
فكيف يكون من نادى بالتحرير، أول من يعتقل الحناجر الحرة ويكسر أقلام الشرفاء ؟
عدن اليوم لا تحتاج إلى حاكمٍ جديد، بل إلى روحها القديمة :
مدينة تفتح ذراعيها للحق، لا تعتقله … مدينة تحمي الحرائر، لا تسوقهن كالمذنبات، مدينة يديرها أهلها بالنظام والقانون والحرية والمدنية.
هذة الحادثة لم تكن مجرد انتهاك لامرأتين …
بل صفعة على وجه مجتمع بأسره
ما جرى في قسم شرطة المعلا لم يكن حادثاً عابراً أو تجاوزاً فردياً، بل كان صدمة مدوية وجرس إنذار أخير .
لم تكن عفراء الحريري ومها عوض مجرد ضحيتين، بل كانتا المرآة التي انكسر فيها وجه عدن، المدينة التي لطالما صدّرت الكرامة والحضارة والنضال .
هذه الجريمة لم تُرتكب فقط بحق امرأتين من أشجع نساء اليمن، بل ارتُكبت بحق الفكرة ذاتها :
فكرة الدولة، وفكرة العدالة، وفكرة الوطن الجامع الذي حَلم به الناس ذات يوم .
لقد تهاوت في لحظة واحدة كل الأقنعة، وبات واضحاً أن ما يحدث في عدن اليوم لم يعد صراعاً سياسياً يمكن احتواؤه أو خلافاً على السلطة، بل أصبح عملية ممنهجة لاغتيال الحقوق، وسحق للكرامة، ودفن للإنسانية بادعياء “ السيادة ” الفارغة من كل مضمون والمشمولة بالتبعية المطلقة للغرباء .
إن استمرار الصمت أمام هذا الانحدار ليس حياداً، بل شراكة في الجريمة .
لأن من يسكت عن الظلم حين يقع على النساء، سيسكت غداً حين يقع على الجميع .
ومن يستهين بإهانة المناضلات، سيصنع من الخوف ديناً جديداً يُعبد على أنقاض القانون .
عدن لم تعد فقط مدينة تحت القمع، بل مجتمع يُختبر ضميره، ويُساءَل : من بقي ليقول لا ؟
نعم إنه السؤال الذي يفرض نفسه اليوم في كل بيت عدني :
إلى متى ؟
إلى متى تظل أصوات الشباب تُكسر خلف الجدران، ويُكمم فم القانون، وتُدار عدن بالولاءات الضيقة والتبعية المطلقة والفساد المُريع ؟
أين ذهب الوعد بالكرامة ؟ أين ذهبت الشعارات، حين باتت تُستخدم غطاءً للتنكيل، لا للحرية ؟
لقد أصبحت عدن مدينةً تسير فوق جراح أبناءها :
أمٌ تبكي على غياب ماء الشرب، وأبٌ يُطارد سراب الكهرباء، وشباب يبحث عن مستقبل بين ركام الفساد والمناطقية البشعة، وطفلٌ لا يفهم لماذا اختفت مدرسته أو ماتت مدينته من القهر .
في هذا المشهد الجاف من العدالة، يأتي احتجاز عفراء ومها ليُكمل المأساة :
مأساة مدينةٍ يُراد لها أن تنسى نفسها، أن تنسى تاريخها، أن تنسى أن امرأةً عدنيةً حرّة كانت قبل ألف عام تحكم الجزيرة اليعربية وتُقرّر وتبني .
اليوم، لم تكن الزنزانة فقط هي العقوبة، بل الرسالة الأخطر أن لا صوت فوق صوت الأمن، ولا رأي يعلو فوق قرار السجان، ولا امرأة تُكرَّم إن رفعت رأسها في وجه الباطل .
لكنّهم لم يفهموا عدن .
لم يقرأوا تاريخها جيداً .
لم يعرفوا أن كل مرة حاول فيها الظلم أن يخنق المدينة، خرجت منها امرأةٌ أشد من النار، وأقوى من العتمة .
عفراء الحريري، التي وقفت مراراً في ساحات القضاء والدفاع، لن تُرهَب من زنزانة .
ومها عوض، التي كرست عمرها لنصرة المرأة وتوحيد صوت المهمشين والمقهورين، لن تصمت أمام من باعوا الوطن لحسابات الربح السياسي والمال المدنس .
في النهاية، ما حدث مع عفراء ومها ليس مجرد انتهاك فردي، بل جرس إنذار لوطن بأكمله .
وما كشفه احتجازهما التعسفي هو الوجه الحقيقي لمن يحكمون اليوم :
سلطة تهمش أبناء عدن، وتخشى القلم، وترتعد من الكلمة، وتخاف من امرأة تقف في وجه الظلم .
عدن لا تنحني …
وصوتها لا يُخمد
ربما أغلقوا الأبواب في المعلا، وربما كتموا الصوت في الزنازين، لكنهم نسوا أن الحرية لا تُعتقل، وأن الحبر لا يموت .
وإن كانت عدن اليوم تنزف، فإنها لا تنحني .
وإن خُنقت عفراء، وأُرهبت مها، فإن ملايين الصامتين سيجدون في قضيتهما ما يكفي ليصرخوا .
عدن …
بلاد الملكات، خرجت تصرخ بحناجر نسائها ورجالها :
لن تُسكتونا …
فنحن المدينة، ونحن النبض ونحن الصوت، ونحن التاريخ والذاكرة .
ومن أراد عدن ذليلة، فليعلم أن نساءها وشبابها أقوى من كل زنازينه، وأطهر من كل من جلس على كرسيه متكئاً على خيانة وعدٍ قديم .