الجمعة - 19 سبتمبر 2025 - الساعة 01:46 ص بتوقيت اليمن ،،،
صدى الساحل - أحمد حوذان
في مدينة تعز، التي أرهقتها سنوات الحرب، كانت افتهان الشهري زهرةً نادرةً أينعت وسط ركام اليأس. لم تكن مجرد فتاة، بل كانت حلمًا يتجسد في عيون جيل كامل آمن بأن التعليم هو السلاح الحقيقي لبناء المستقبل. بحصولها على مؤهلها الجامعي، لم تكتفِ افتهان بذلك، بل قررت أن تعيد الحياة إلى شوارع تعز بلمسات بسيطة، لكنها تحمل في طياتها تغييرًا كبيرًا.
كانت تؤمن بأن الجمال ليس حكرًا على المدن الغنية، وأن الإرادة تصنع المستحيل. بدأت بمبادرات مجتمعية صغيرة، تزين فيها الأرصفة المهملة وتزرع الورود في الحدائق المنسية. كانت تدرك أن هذه الجهود ستلهم الآخرين، وتكشف عن الوجه الحقيقي للمدينة، وجهها الذي شوهه الفساد والإهمال.
كانت ابتسامة افتهان وإصرارها كافيين لإثارة قلق الفاسدين الذين اعتبروا المدينة ملكًا لهم. لقد خافوا من نور المعرفة الذي كانت تبثه في قلوب الشباب، خافوا من أن يكتشف الناس أن النجاح يمكن أن يتحقق بأقل الإمكانيات، دون الحاجة إلى أموالهم المنهوبة أو نفوذهم المزيّف.
بالنسبة لهم، كانت افتهان تهديدًا وجوديًا. لقد نافست ببساطتها وعلمها كل من يرى في المناصب الحكومية غنيمة شخصية، لا مسؤولية وطنية. لم يتحملوا فكرة أن يصل الشباب المتعلم، أصحاب الأيادي النظيفة، إلى مواقع الإدارة، فنجاحهم سيعرّي فشلهم.
نهاية قصة وبداية حلم
وفي لحظة غدر، لم يجدوا وسيلة لإيقافها سوى العنف. رصاصة غادرة اخترقت جسدها، أنهت حياتها على الفور، لكنها لم تنهِ حلمها. لقد تركوا وراءهم جسدًا هامداً، لكنهم أيقظوا مئات القلوب. لقد قتلوها، لكنهم لم يستطيعوا قتل الأمل الذي زرعته.
لقد علّمت افتهان الشهري تعز، بل اليمن كله، درسًا قاسيًا: عندما ينافس البسطاء المثقفون، يخاف الفاسدون من وصول الشباب إلى إدارة الأماكن الحكومية. لقد تحولت قصتها إلى أيقونة، تذكرنا بأن النضال من أجل بناء وطن حقيقي لا يتوقف، وأن كل رصاصة تُطلق ضد حلم، هي بذرة جديدة تنبت في أرض الوطن.