صدى الساحل - فارس الحميري
زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، في خطابه الاخير، وجه اتهامات خطيرة لمنظمات أممية إغاثية في صنعاء وتحديدا ما أسماها “خلية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي” القيام بدور أساسي في الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع حكومة الجماعة في صنعاء نهاية أغسطس الفائت، من خلال الرصد والإبلاغ ومواكبة الاستهداف، وذكر أن على رأس هذا الدور مسؤول الأمن والسلامة في فرع البرنامج في اليمن.
هذا الاتهام، الصادر من أعلى قيادة في سلطة الحوثيين، استهدف بشكل مباشر اليمني عمار ناصر (مسؤول الأمن والسلامة في برنامج الغذاء في اليمن)، المعروف بسجله الطويل في خدمة المجتمعات المحلية ذات الاحتياج الشديد من قلب المناطق المنكوبة في “ماريوبول” الاوكرانية مرورا بغزة االفلسطينية ومناطق أخرى منكوبة وصولاً إلى صنعاء اليمن.
عندما كان أبناء غزة يتعرضون للإبادة و يتضورون جوعا نتيجة القصف والحصار الإسرائيلي، وتحديدا نهاية العام 2023، كان اليمني عمار ناصر من بين العاملين الإنسانيين الذين سارعوا للوقوف على المأساة ومساعدة ما أمكن من الضحايا، مقدماً الدعم والإغاثة ضمن مهامه التي كلف بها من قبل البرنامج الأممي.
بعد ثلاثة أشهر من عمله إلى جانب أبناء غزة، ومع التضييق والاستهداف على منظمات الإغاثة الدولية، شرعت إسرائيل في طرد عدد من العاملين الإنسانيين في القطاع الفلسطيني، وكان اليمني ناصر أحد أولئك الذين شملهم الطرد.
يقول الحوثي ضمن حفلة الاتهامات: “حصلنا على معلومات قاطعة عن ذلك الدور التجسسي للخلايا التي تم اعتقالها من قبل الأجهزة الأمنية، وهي تنتسب إلى تلك المنظمات.”. ويعكس هذا التصريح تجنيا وتجاهلا لإجراءات روتينية ومعروفة؛ إذ أن موظفي الأمم المتحدة الدوليين (من غير الفلسطينيين) عادة ما يصلون إلى قطاع غزة عبر إسرائيل، من خلال معبر إيريز، ولذلك يحتاجون إلى تصريح مرور تصدره السلطات الإسرائيلية؛ وبالتالي فإن العثور على هذا التصريح في جواز أحد الموظفين الأمميين في صنعاء لا يعد دليل إدانة أو ارتباط بإسرائيل، بل هو إجراء إداري معتاد في مهام الأمم المتحدة.
عمار ناصر، في بداية الأربعين من عمره، من أبناء مديرية مودية بمحافظة أبين جنوبي اليمن، يتمتع بخبرة تمتد لسنوات طويلة في العمل الإنساني، ويُعرف بين زملائه بحرصه الشديد ومهنيته العالية.
اليمني ناصر الذي كرّس حياته لمساعدة الآخرين في أصعب الظروف وأخطر الأماكن، أصبح اليوم ضحية بيد الجلاد، يقبع في زنزانة مظلمة، حيث تم اعتقاله في نهاية أغسطس، حين اقتحم الحوثيون مقر البرنامج الأممي في صنعاء، واقتيد يومها إلى جهة غير معلومة، حيث منع تماما من التواصل مع أسرته، وترك خلفه مناشدات صامته وقلق على مصيره المجهول.
تخضع الوظائف الأممية لقواعد صارمة تضمن الحياد، ولا تسمح بأي شكل من أشكال التعاون المعلوماتي مع أي جهة؛ كما أن عدداً من زملاء الرجل في البرنامج معتقلون لدى الحوثيين، فكيف يمكن له كسر القواعد والتجرؤ على مشاركة أي معلومة أمنية من هذا النوع الذي تم سرده في الاتهام.. الأمر الذي يجعلها مجرد اتهامات واهية وملفقة.
كما أن خطاب زعيم الحوثيين خلف حالة من الفزع والهلع بين أسر المعتقلين بما في ذلك 23 موظفاً في برنامج الغذاء العالمي وآخرين من وكالات أممية ومنظمات دولية، ووضع هؤلاء الأهالي تحت ضغط نفسي شديد عن مصير أقاربهم وتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، إلى جانب تصاعد حملة التنمر المجتمعي على أولاد وأقارب الضحايا من الأقران والجيران.
هذه الاتهامات جاءت امتداداً لسنوات من التضييق والانتهاكات التي تمارسها جماعة الحوثي ضد المنظمات الإغاثية وموظفيها.. من حملات التشوية والاعتقالات واقتحام المقرات وصولاً إلى الابتزاز المالي لأسر هؤلاء الموظفين تحت ذرائع “الوساطة” للإفراج عن أقاربهم.
في أول رد أممي على اتهامات زعيم الحوثيين، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: “نرفض بشكل قاطع جميع الاتهامات التي تزعم أن موظفي الأمم المتحدة أو عملياتها في اليمن شاركوا في أي شكل من أشكال التجسس أو في أي أنشطة لا تتماشى مع تفويضنا الإنساني، هذه الاتهامات مقلقة للغاية ومزعجة جدًا”.
لكن السؤال الذي يظل مطروحا: هل يكفي هذا البيان وغيره من الموقف الأممية المعلنة حتى اليوم، لوأد مثل هذه الاتهامات وضمان الإفراج عن المعتقلين وحماية موظفي الأمم المتحدة واستعادة مقارّها في صنعاء؟!