اخبار وتقارير

الخميس - 13 نوفمبر 2025 - الساعة 08:32 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - أحمد حوذان

في قاعة فندق فخم بالعاصمة الإقليمية، يجلس ممثلو “السلام” حول طاولة بيضاء مزخرفة، يتبادلون الابتسامات أمام عدسات الكاميرات.
لكن خلف تلك الصورة البراقة، يقف يمنيون كُثر يتساءلون: من يمثلنا هناك؟
الجواب غالبًا محبط، لأن من يُختار للحديث باسم “السلام” لا يُمثل سوى حزبه، قبيلته، أو داعمه الخارجي.

منذ عشر سنوات، لا تزال العملية السياسية في اليمن تدور في حلقة مفرغة.
المؤتمرات تتغيّر أسماؤها، والمبعوثون الأمميون يتبدلون، لكن جوهر الأزمة لم يتزحزح: سلام بلا ممثلين حقيقيين للشعب.

من “الحوار الوطني” إلى “مشاورات الرياض”… الأسماء تتبدل، والمشهد ثابت

في 2013، علّق اليمنيون آمالهم على مؤتمر الحوار الوطني، لكن مخرجاته ضاعت بين أجندات القوى المتصارعة.
وفي السنوات التالية، توالت جولات جنيف، الكويت، ستوكهولم، ثم مشاورات الرياض.
كل مرة، يدخل اليمنيون مرحلة “تفاؤل حذر”، لكن ما يلبث أن يتبدد حين يتضح أن المشاركين لا يملكون قرار الحرب ولا مفاتيح السلام.

تقول ناشطة يمنية لـ “تهامة 24” (فضّلت عدم ذكر اسمها):

“في كل دورة سلام، يجلس على الطاولة نفس الأشخاص الذين أشعلوا الحرب أو استفادوا منها. كيف نتوقع منهم أن ينهوا ما بدأوه؟”

تمثيل ناقص... وسلام مشوّه

ما يجعل الأزمة أكثر تعقيدًا أن من يُفترض أن يمثل اليمنيين في مسارات السلام يتم اختياره وفق مبدأ الولاءات لا الكفاءات.
فالأحزاب تختار ممثليها وفق مصالحها، والقوى العسكرية تفرض أسماءها، بينما تُقصى الفئات المدنية والشبابية والنسائية التي كانت وقود الثورة وأمل التغيير.

نتيجة ذلك، تولد اتفاقات سلام هشة لا تصمد أمام أول اختبار، لأنّها لا تمسّ جذور الصراع، بل تُعيد إنتاجه بصيغ جديدة.
يصف أحد الأكاديميين ذلك بقوله:

“إنهم يوقّعون اتفاقات سلام فوق طاولة من ورق، فيما الأرض تحتهم ما تزال تشتعل.”

السلام الذي يُدار بالوكالة

يرى محللون أن المشكلة لا تكمن فقط في الداخل، بل في طبيعة الوصاية الخارجية التي ترافق كل محاولة سلام.
فالتحالف العربي – بقيادة السعودية – ما يزال يمسك بخيوط اللعبة، وفي كثير من الأحيان يُوجّه مسار المشاورات نحو ما يخدم مصالحه الأمنية والإقليمية، أكثر مما يخدم الشعب اليمني نفسه.

ويؤكد خبير يمني في العلاقات الدولية أن “أي عملية سلام لا تنبع من الداخل محكوم عليها بالفشل”، مضيفًا أن “التحالف يستطيع أن يسهم في بناء السلام فقط إذا سمح لليمنيين بصنعه بأنفسهم.”

اليمنيون… ضحايا سلام النخب

في الأسواق، وفي مخيمات النزوح، وفي صفوف المدارس المتهالكة، لا أحد يتحدث عن تفاصيل المفاوضات.
الناس هناك يريدون شيئًا واحدًا فقط: هدوءًا حقيقيًا وكرامة معيشية.
لكن تلك الأصوات لا تصل إلى القاعات المغلقة التي تُدار فيها الملفات السياسية، لأن الممثلين الذين يفترض أن ينقلوها يتحدثون بلغة لا يعرفها الشارع.

سلام اليمن لا يفشل لأنه مستحيل، بل لأنه يُدار بأدوات الحرب نفسها.
من يقاتلون بالرصاص في الجبهات هم أنفسهم من يجلسون على الطاولات في العواصم، ليتفاوضوا على ما تبقّى من البلاد.

الطريق إلى السلام الحقيقي

الطريق نحو سلام مستدام لا يبدأ في جنيف أو الرياض، بل في الداخل اليمني، من مؤسسات مدنية حقيقية، وجامعات، ونقابات، ومنظمات نسوية وشبابية.
سلام لا يقوم على صفقة بين ساسة، بل على عقد وطني جديد يعيد تعريف “الوطن” بعيدًا عن السلاح والوصاية.

السلام في اليمن لن يولد من نصوص تُكتب تحت رعاية دولية، بل من وعي شعبي يرفض الحرب بوصفها قدرًا، ويطالب بقيادة تعكس وجعه لا مصالح الخارجين عنه.

وفي الختام، يبدو أن اليمنيين لا يحتاجون إلى “سلام آخر”، بل إلى سلام مختلف — سلام يعيد للناس أصواتهم، وللوطن معناه.