كتابات وآراء


الثلاثاء - 15 يوليو 2025 - الساعة 09:31 م

كُتب بواسطة : الإعلامي / منور مقبل - ارشيف الكاتب







تخوض المقاومة الوطنية معركتها في الظل بكفاءة غير مسبوقة، بحيث تتجاوز الأساليب التقليدية في المواجهة، وتدخل ميادين الحرب الخفية التي تُدار بالعقول والمعلمة والأجهزة والعيون الساهرة، بعيداً عن ضوضاء الاشتباكات الميدانية. في هذه المعركة المركزية، يتم تعطيل البنية التحتية السرية للجماعة الكهنوتية، بما فيها شبكات التمويل وطرق تهريب السلاح، وهو ما أحدث انقلاباً في توازنات الميدان، لم يكن ليحدث عبر القوة العسكرية الصرفة.

ما يجري خلف الكواليس للعمليات الاستباقية التي تقودها الوحودة الاستخبارية للمقاومة الوطنية، يكشف عن نضج استخباراتي لافت، تمكنت من إحكام قبضتها على منظومات متقدمة تشمل ذخائر وتقنيات إيرانية وطائرات مسيّرة وأنظمة اتصالات وألغام بحرية ذات قدرات تدميرية دقيقة. وهذا ما يؤشر إلى عمق العلاقات اللوجستية والفنية بين الجماعة والجهات الخارجية الداعمة لها. لكن وقوعها في يد المقاومة الأبطال، أعاد تشكيل ملامح الصراع، وفرض واقعاً جديداً على الجماعة التي تجد نفسها الآن في حالة من التخبط والبحث المحموم عن بدائل.

العمليات الاستخباراتية التي تخوضها المقاومة الوطنية تمثل في حقيقية الأمر، تحولاً نوعياً في أساليب المواجهة، وإدارة المواجهة مع مليشيا الحوثي على كافة المستويات، في الميدان العسكري والمعلوماتي، وتجاوز الشكل التقليدي للاشتباكات المباشرة. هذه المواجهة للمقاومة ترتكز على ضرب المنظومات السرية التي تموّل وتدير الجماعة الكهنوتية، مما يؤدي إلى تفكيك بنيتها الداخلية وإرباك عملياتها الاستراتيجية.

الاستحواذ على شبكات تهريب السلاح، ومصادرة شحنات الأسلحة الإيرانية في البحر الأحمر، لا يمكن قراءته على أنه نجاح تكتيكي، بل بات عنصراً حاسماً في معادلة القوة على الأرض، يؤثر بشكل مباشر في توازنات الجبهات ويعيد تشكيل خارطة النضال الوطني ضد مليشيا الحوثي.

ما يميز هذه المواجهة ليس فقط المستوى المتقدم من الرصد والتعقب، بل في القدرة على استباق الأحداث وتفكيك الخطط قبل أن ترى النور. عمليات الإحباط المتكررة لخطط كهنوتية معدة مسبقاً تشير إلى فعالية غير مسبوقة للمنظومة الاستخباراتية للمقاومة الوطنية، التي لا تكتفي برصد التحركات بل تبادر بالضربات الاستباقية، وتحرم العدو من عنصر المفاجأة. هذا التفوق يعمّق من حالة الردع ويعزز استقرار الجبهات الجمهورية، التي باتت تعتمد على نهج هجومي ناعم ومستمر، لا يُستهان بتأثيره.

لا يقاس هذا الإنجاز الاستخباراتي بعدد الشحنات المصادرة، بل بما أحدثه من شلل استراتيجي في قدرات مليشيا الحوثي، التي باتت تواجه صعوبة متصاعدة في تأمين الإمدادات، والحفاظ على خطوطها الخلفية. ليس ذلك فحسب، بل باتت المقاومة الوطنية قادرة على إحباط العمليات قبل وقوعها، من خلال اختراق الدوائر المغلقة ورصد التحركات والتخطيط الاستباقي لضرب مصادر التهديد في مهدها.

التفوق النوعي للوحدات الاستخبارية في المقاومة الوطنية يعكس فهماً دقيقاً لطبيعة المعركة مع هذه المليشيا، ويعزز من فرضية أن النصر لا يتحقق فقط على تخوم المواجهة المباشرة، بل في غرف التحليل وأقبية المعلومات، وعلى طاولات الرصد الإلكتروني والمتابعات المستمرة.

معركتنا اليوم مع مليشيا الحوثي باتت متعددة الأبعاد، تقودها وحدات لديها فهم استراتيجي وإلمام بالتحولات الأمنية والسياسية، تتمتع بقدرة على بناء الردع عبر إنجازات غير مرئية، ولكنها فاعلة في التأثير وإرباك الخصم واستنزافه. ولذلك، فإن الخارطة الجمهورية اليوم مع الاعتماد على صلابة المقاتلين في الميدان، وعمق الرؤية الأمنية التي تدير هذا الصراع من خلف الستار، تشكل حجر الأساس لمعادلة النصر المتوقعة، واستعادة الجمهورية.

هذا النجاح في تعطيل الإمدادات الخلفية، واستنزاف العدو استخباراتياً ولوجستياً، يُسهم في بناء معادلة ردع فاعلة ويعزز من قدرة الخارطة الجمهورية على الدفاع والمبادرة في آنٍ واحد. هذه المعركة للوحدات الاستخباراتية التابعة للمقاومة الوطنية، تُنهي عصر الاستجابة الميدانية المباشرة، وتؤسس لمرحلة يكون فيها الأمن المعلوماتي والاستباق الاستخباراتي حجر الزاوية في صناعة النصر.