اخبار وتقارير

الأربعاء - 25 سبتمبر 2024 - الساعة 08:00 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - متابعة خاصة



في خضم الصراع المحتدم الذي تشهده اليمن، والأزمات التي تعصف بها، تبرز ظاهرة خطيرة تهدد نسيج المجتمع وتقوض أسس الدولة.. إنها ظاهرة المتلونين الذين يرفعون شعارات الوطنية زورًا، ويتقنعون بأقنعة النضال والشرعية، في حين هم في الحقيقة عبارة عن أدوات تدار من قبل أعداء الوطن، وكل أنشطتها تصب في خدمتهم.

هؤلاء المندسون في صفوف الشرعية، وما أكثرهم يمارسون دورًا مزدوجًا، فظاهرهم الدفاع عن الوطن، وباطنهم خدمة أجندات مليشيا الحوثي الإرهابية.. إنهم كالذئاب في ثياب الحملان، يتسللون إلى مواقع النفوذ ويتغلغلون في مفاصل الدولة، ليبثوا سمومهم ويحققوا مآربهم الخبيثة.

التقرير التالي يسلط الضوء على نموذج صارخ لهذه الشخصيات المتلونة، التي تجيد فن التخفي والمراوغة.. إنه الأكاديمي المدعو «عبدالقادر الخراز»، الذي ما فتئ يقدم نفسه كمناضل مناهض لمليشيا الحوثي الإرهابية، في حين تكشف كافة الوقائع والحقائق والوثائق وجهًا آخر مغايرًا لذلك، مؤكدة أنه عكس ما يدعيه تمامًا.

ناشط متلون

للسنة الخامسة على التوالي، ينشط الأكاديمي «عبدالقادر الخراز»، على منصّات التواصل الاجتماعي، بصفته ناشطًا وطنيًا ضد «الفساد»، ويقدم نفسه بطلًا وطنيًا ضد انقلاب جماعة الحوثي وجرائمها.

استهدفت منشورات «الخراز»، والحملات التي قادها أو شارك فيها، الحكومة اليمنية المعترف بها، ومحافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة والعاملين في المحافظة، والشركات الوطنية والدولية العاملة في اليمن، وطالت بعض المنظمات الأممية والوكالات الدولية، وقادة العمل السياسي والإنساني والتنموي في البلاد، ودأب على اتهام الجميع إما بـ«الفساد» أو «التخادم» مع الحوثيين للإضرار بالوطن والشعب.

موظف حوثي

في حين توحي كتابات ومنشورات «الخراز»، بأن لديه موقفًا صارمًا ضد جماعة الحوثي، ورميه باتهامات بين الحين والآخر ضد قيادات الشرعية بالعمل مع الحوثي، إلا أنه من خلال بحث بسيط في سجله، خلال العقد الأخير، تبرز مواقف وشواهد كثيرة تثبت عكس هذا.

وثائق ومصادر خاصة تبيّن أنه حتى أواخر العام 2016، كان يعمل مستشارًا لوزير المياه والبيئة في حكومة جماعة الحوثي (غير معترف بها)، والتي شكّلتها عقب اجتياحها للعاصمة اليمنية صنعاء وانقلابها على الحكومة الشرعية أواخر العام 2014م.

ومن ضمن الوثائق، التي حصلنا عليها، «جواز دبلوماسي» للخراز يحمل الرقم (00005090)، منحته جماعة الحوثي عبر مصلحة الجوازات الخاضعة لسيطرتها في صنعاء، بتاريخ 24 فبراير/شباط 2016، بصفته مستشارًا لوزير المياه والبيئة.

وحصل «الخراز»، على هذا الجواز بعد نحو سنة ونصف من سيطرة الحوثيين على صنعاء، والمؤسسات السيادية فيها، بما فيها وزارتي الداخلية والخارجية، ورغم عدم شرعية المصلحة بعد سيطرة الجماعة عليها وإعلان الحكومة اليمنية عدم قانونية الوثائق الصادرة عنها، ورفض دول العالم التعامل بها عدا إيران وسلطنة عمان.

امتداح الحوثية

وهنا يبرز السؤال، ما الأسباب التي دفعت جماعة عقائدية متطرّفة كالحوثية، التي عمدت إلى فصل آلاف اليمنيين من وظائفهم، وتجريدهم من امتيازاتهم وحقوقهم، أن تكافئ «الخراز» بهذه الوظيفة، وتمنحه جوازًا دبلوماسيًا؟

وهذا يستدعي البحث عن موقع الرجل وموقفه من حروب جماعة الحوثي التوسّعية خارج محافظة صعدة، وصولًا إلى اجتياحها للعاصمة صنعاء، واستيلائها على مؤسسات الدولة بقوة السلاح.

من خلال زيارة صفحته على الفيسبوك، يظهر أنه كان يواكب تحركات الجماعة، قبل وأثناء، زحفها لإسقاط العاصمة، بكتابات يمتدح فيها الجماعة وزعيمها الذي أدرج لاحقًا بقائمة عقوبات مجلس الأمن، وفي المقابل يهاجم الحكومة اليمنية، والرئيس اليمني، حينها، عبدربه منصور هادي، الذي انتخبه الشعب اليمني بالإجماع.

في 13 أبريل/نيسان 2014، نشر «الخراز»، بحسابه على فيسبوك، منشورًا يمتدح فيه زعيم جماعة الحوثي، ويصفه بأنه «الثائر الوحيد» في اليمن، قائلًا: «ما يزال باعتقادي أن الثائر الوحيد باليمن إلى الآن بمفهوم الثورة الذي تعلمناه وقرأنا عنه هو الحوثي».

دعم إسقاط الجمهورية

ولم يخفي «الخراز»، إعجابه برؤية الجماعة لإسقاط النظام الجمهوري، وإعادة حكم الإمامة المستبد الذي ناضل اليمنيون عقودًا لإسقاطه، حيث قال:«ما أراه وأشاهده ويقع في نفسي موقف إيجابي هو وجود رؤيا لدى هذه الفئة (جماعة الحوثي)، وهم يسعون في تحقيقها عبر مراحل، وتعرضوا لكثير من التجارب التي صقلتتهم وعلمتهم الكثير حروب صعدة الست ضد الدولة بين (2004-2010)، ويسعون بكل وضوح -بعكس الآخرين المتلونين- إلى فرض حكمهم على اليمن، وهذا الهدف الرئيسي لديهم».

وفي منشور آخر عبر عن إيمانه العميق بمشروع جماعة الحوثي الذي وصفه بـ«الثورة»، قائلًا:«ما عزز اعتقادي بثورة الحوثي التالي:1- أنه دخل في حرب مع كل من أفسد في هذا البلد وسرق ثرواته، 2- يسعى الحوثي إلى تغيير النظام القائم ككل بما فيها النظام الجمهوري وإعادة حكم الإمامة».

دعم إسقاط صنعاء

في 2 سبتمبر/أيلول 2014، امتدح «الخراز»، في منشور آخر، الحصار المسلّح الذي فرضته جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، ومحاولاتها السيطرة على مؤسسات الدولة فيها بذريعة قرار الحكومة -التي هي جزء منها- رفع الدعم عن الوقود، مهاجمًا رئيس الجمهورية، والجماهير التي خرجت لمساندته ورفض الحوثي.

وقال:«مهما حاول الرئيس هادي، أن يظهر أن موافقته اليوم على مراجعة الجرعة بأنها ناتجة عن مظاهرات الاصطفاف الوطني ومقترحات هيئة الاصطفاف «هيئة الكذب» وليست خضوعًا للمظاهرات التي دعا لها الحوثي».

وأضاف ممتدحًا زعيم الجماعة الحوثية، وتمرّده على الشرعية الدستورية والإجماع الوطني: «يبقى واضح لدى الكثير من الشعب إن لم أقل جله أن الحوثي هو من تزعم المشهد السياسي، وكان في مقدمة القوى الشعبية والسياسية التي طالبت بإزالة الجرعة، وإقالة حكومة الموت وإزالة هذا الجور عن كاهل الشعب».

وكانت جماعة الحوثي، قد بدأت من أغسطس/آب 2014، بحصار العاصمة صنعاء، تدريجيًا قبل أن تجتاحها وتسيطر عليها كليًا في 21 سبتمبر/أيلول، ومن ثم تتوسّع في أنحاء البلاد، بعد نحو شهرين من سيطرتها على مدينة عمران.

ومع تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية الشرعية، عمد إلى مهاجمة التحالف والسعودية والتشكيك بمواقفها وتحريض المجتمع اليمني ضدّها وحثه على مساندة الحوثيين باعتبارهم مدافعين عن الوطن ضد عدوان خارجي.

وقال في منشور بحسابه على فيسبوك بتاريخ 26 أبريل/نيسان 2015: «يكذبون ويتمتعون بالكذب، فمن الغباء أن نصدق أن التدخل الخارجي أتى لينتشل الوطن مما هو فيه»، في إشارة إلى تدخل التحالف بطلب الحكومة.

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بادر لإدانة التحالف العربي بقصف الصالة الكبرى، مساندًا لرواية الحوثيين، في الحادثة التي لم تظهر نتائج التحقيقات حتى الآن، قائلاً: «أسجل شهادتي بوجود تحليق للطيران وسماع صوت الطيران قبل وأثناء ضرب القاع الكبرى حيث كنت خارج من منزلي في تلك اللحظة والذي لا يبعد إلا بعشرات الأمتار».

واستمر «الخراز»، في كتابة منشورات داعمة للجماعة وحربها ضد اليمنيين، ومهاجمة تحالف دعم الحكومة الشرعية بقيادة السعودية حتى نهاية العام 2016، أي قبل فترة قصيرة من انتقاله إلى وظيفة لدى الحكومة الشرعية.

انتقال غامض ودور مشبوه

في يوليو/تموز ٢٠١٧‏‏ كلف «الخراز» مؤقتًا بالقيام بأعمال رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، من قبل وزير المياه والبيئة آنذاك واستمر في مهامه حتى سبتمبر/أيلول 2019، بعد احتجاج واسع من قبل الغالبية العظمى لموظفي الهيئة.

وفيما ادعى -وما زال يدعي- أنه كان رئيسًا للهيئة العامة لحماية البيئة، لم يصدر أي قرار من قبل رئيس الجمهورية، ولم يصدر التكليف من قبل رئيس الوزراء إلا في سبتمبر 2019، الذي عين فيه عمار العولقي، رئيسًا للهيئة لأول مرة منذ الفراغ الذي حصل في رئاسة الهيئة منذ يوليو 2017.

في الفترة التي سبقت إخراجه من الهيئة، شهدت المؤسسة انقسامًا عميقًا وصراعًا وصل إلى وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي. وحينها، نشر عدد من المسؤولين في الهيئة مقالات ووثائق توضح سوء استغلال «الخراز» الوظيفة والسلطة الممنوحة له لتحقيق مكاسب شخصية بحتة، سيتم التطرق بالتفصيل وبالوثائق في تقرير لاحق.

وأمام المعطيات السالفة الذكر، يطرح السؤال عن سرّ وطبيعة الانتقال الغامض والسريع لـ«لخراز»، من حكومة الحوثيين الانقلابية إلى الحكومة الشرعية؟.

والأغرب أنه خلال السنوات الأخيرة، دأب على توزيع التهم لكل من لا ينتمي لجماعة الحوثي، مؤسسات وأفراد، واتهامهم بالفساد والعمالة، وطيلة هذه السنوات، فيما لم يوجه تهمة أو انتقاد للجماعة أو أحد من قياداتها ومشرفيها.

تغطية على الحوثي

وإلى جانب الفساد وسوء استغلال المنصب، لوحظ ضلوع «الخراز»، في التغطية على جرائم الحوثيين وفسادهم بحق اليمن الأرض والإنسان، مقابل حماس ودأب في توجيه التهم للحكومة اليمنية والتحالف العربي الداعم لها.

وعلى سبيل المثال، في التقرير الخاص بأثر النزاعات على البيئة وسبل الحد من الآثار السلبية، الذي قدمه «الخراز»، إلى المجلس التشاوري الإقليمي حول البيئة والموارد الطبيعية للمنتدى العربي للتنمية المستدامة في فبراير/شباط 2019، لم يتضمن أي معلومة لحشد الدعم للحكومة التي يمثلها وتوضيح العوائق التي تساعدها لمعالجة قضايا البيئة، بل عكس ذلك تضمن حديثًا عن تدني الأداء الحكومي، وأن البيئة ليست أولوية لدى الحكومة في حالة الحرب.

وانصب تركيز التقرير، الذي حصل معد التقرير على نسخة منه، على القصف الجوي للتحالف، زاعمًا أنه يتم بمختلف أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، في تطابق مع الرواية المعتادة لجماعة الحوثي منذ تدخل التحالف.

وتجاهل «الخراز»، نشاط الحوثيين المتواصل في زراعة الأراضي اليمنية بالألغام عشوائيًا، وأعمال حفر الخنادق، وتجريف التربة، ومنع الفرق الفنية الأممية من الوصول إلى خزان صافر النفطي العائم المهدد بالانفجار.

وكل ما سبق يعيد طرح السؤال: هل «الخراز»، مقاوم للحوثيين كما يزعم في كتاباته الأخيرة، أم حوثي يرتدي قناع الشرعية؟ وهل سيكون ثمن غياب الصحافة التحقيقية كنتيجة للاستهداف الممنهج للصحافة في اليمن هو مثل هذه الظواهر التي تدعي امتلاكها للمعلومة فيما هي آلات بيد أطراف الحرب؟.