اخبار وتقارير

الأحد - 04 مايو 2025 - الساعة 06:17 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - منوّر مقبل




لو أن العميد طارق صالح تنكر بثيابٍ مجهولة، وخرج يتلمس أحوال الناس في القرى والمدن، يحمل على ظهره صُرر الماء والطحين، ويتفقد أحوال المساكين، ثم وزعها عليهم سرًا، كما كان يفعل الخليفة عمر بن الخطاب، فإن المثاليين الجدد، أو بلغة أكثر وضوحًا: الحاقدين على آل عفاش، لن يرضوا عنه، ولن يقولوا: "رضي الله عنك أيها العميد". بل العكس تمامًا هو ما سيحدث.

ستتعالى أصواتهم بالنعاق، وستُلقى عليه التهم جزافًا، مرددين تهمًا كاذبة، قائلين: "إن طارق يحاول أن يستغل معاناة الناس وحالهم، ويستغل أوضاعهم البائسة لصالحه". وكأنما ارتكب ذنبًا لا يُغتفر، وكأنما الفعل الإنساني أصبح جريمةً في نظرهم.

هؤلاء الناقمون على المقاومة الوطنية، لو أن العميد قد ملأ كروشهم أيضًا بالذهب، لم يكن ليحصل على دعاء الرضا منهم، بل على مزيدٍ من الهجوم. لن يترددوا في تأويل هذا المشهد وفق نظرياتهم المتهالكة، ليقولوا إنه يبحث عن مصلحةٍ ما، وكأن مساعدة المحتاجين قد صارت في زمنهم ضربًا من الاستغلال. فكل عملٍ يُعيد تعريف القيادة كالتزامٍ، يُهدد وجودهم الذي لم يَبْنِ يومًا صرحًا، ولم يُطعِم جائعًا، ولم يُؤوِ مشردًا.

اليوم، ثمة جماعة في مدينة تعز لا ترى في هذه الجهود التي يقدمها العميد للمواطنين سوى وهمٍ يُهدد وجودهم، وكأنهم خائفون من أن تمتد يد العميد طارق لتكشف هشاشة اللا فعل، ومن أن يكون العطاء شهادةً صامتةً على تفاهة وعدم جدوى وجودهم في الميدان اليمني.

هؤلاء الذين يقفون عند أطلال الماضي، لا يسخطون لأن العميد طارق صالح يساعد المحتاجين، بل لأن وجوده في المشهد يُذكّرهم بحجم خوائهم، بأن ما يفتقدونه ليس مجرد القدرة على المبادرة، بل الإيمان بأن القيادة الحقيقية تُبنى على القرب من الناس، لا على الحديث عن معاناتهم من شقق وفنادق إسطنبول.

هذه الجماعة لا ترى في الفعل الإنساني سوى فرصةٍ للتهجم، لا لأنهم يحرصون على كرامة الناس، بل لأنهم مصابون بعقدة الفشل، والهوس المفرط من أن يأتي أحد لينقذ الناس من معاناتهم، ويشاركهم همومهم وآلامهم. وإذا ما سألت أحدهم: "ما هي هذه المصلحة التي يهدف العميد طارق لتحقيقها؟" سيجيبك بغباءٍ مستطير، وعقدة نفسية نتنة: "إنه يحاول استثمار بؤس الناس لأغراض الدعاية وكسب ولاء الناس في القرى والمدن، ليقاتل بهم الحوثي، ويثأر من هذه الجماعة، والعودة إلى السلطة"...!

وكأن المساعدة، في نظرهم، لا يمكن أن تكون خالصةً، وكأن كل فعلٍ نبيل لا بد أن تُلطخ نواياه بالمصالح الخفية كما يمارسونها.

الحقيقة التي تخشى الاعتراف بها هذه الجماعة أن العميد طارق صالح لا يعمل ليكسب رضا الناس في القرى أو المدن، ولا يسعى ليبرز نفسه أمام أولئك الذين لا يفهمون معنى القيادة. إنه يمضي في طريقه بقلبٍ ثابت، تُرافقه رؤيةٌ بأن الفعل هو من يكتب التاريخ، لا الكلمات الفارغة.

ولأن المبادرات التي يُطلقها تحمل أثرًا حقيقيًا، لا مجرد أصداء إعلامية، فإن كل خطوةٍ يخطوها في هذا الاتجاه تُثير في قلوب خصومه المزيد من القلق، لا لأنهم يخشون على الناس، بل لأنهم يخشون على أنفسهم، من أن تُقارن صورتهم بصورة من يعمل ويُحقق، ومن أن تفضح حركة الميدان فشلهم وتصلبهم في أماكنهم.

حينما يأتي من يُقدّم العون، تستيقظ هذه الجماعة من سباتها الطويل، ويبدأ معركة التبرير والاتهام. هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حرّاسًا على المبادئ الإنسانية، لا يعرفون من الكرامة الإنسانية سوى اسمها، يأكلون ويشربون كالبهائم، ولا يُطعمون جائعًا. همهم الوحيد أن تتنعم قاداتهم في الخارج، وتتاجر بالقضية لكسب الأموال، وترسل جزءًا منها إليهم ليواصلوا حفلة النعاق ضد كل عمل إنساني يمس احتياجات الناس. المهم أن يعيشوا هم وجماعتهم، ويهلك بقية الخلق، أو فليذهبوا إلى الجحيم.


يفعلون كل ذلك بحجة أن من يساعدهم يجرح كرامتهم ويحاول استغلالهم لأهدافٍ خفية. وأما كيف يحاول استغلالهم، سيقولون لك إن ذلك يحدث في ظل الإعلام والتصوير، واستغلال معاناة الناس وإذلالهم…. يا لها من مثالية عدمية نتنة، تحاول أن تنتقد العمل الإنساني بهذه الطريقة، بينما تغض الطرف عن استغلال الناس لتأمين وجودهم، واستهداف المؤيدين، وإزاحة المعارضين لهم سياسيًا.

إنهم لا ينتقدون التصوير للمساعدات لأنها تجرح كرامة الناس، بل لأنهم يدركون أن هذا الفعل الإنساني يُبرز ضآلة وجودهم، ويجعل من السهل على الناس رؤية من يقف إلى جانبهم فعلًا، ومن يبقى مختبئًا خلف الشعارات.

لو كانوا غيورين على أحوال الناس كما يدّعون، لما اكتفوا بالسخط الفارغ، بل لفعلوا كما يفعل خصمهم، نافسوه بالمثل، ونزلوا إلى الميدان ليحموا القيم التي يزعمون الدفاع عنها. لكنهم ليسوا إلا مدمني نقمة، عاجزين عن الفعل، يتقنون الكلام الذي لا يُطعم جائعًا ولا يصنع فارقًا.

التصوير لا يجرح كرامة الجوعى، بل بقاءهم مكشوفين للذل والحاجة هو ما يسحق كرامتهم. نقل صور المعاناة التي يعيشها الناس في ظل هذه الحرب التي تمارسها المليشيا للعالم هو ما يُحشد الداخل والخارج لمواجهة هذه الجماعة التي تسببت في معاناة الشعب.

حينما تدرك أن هناك من يؤدي الواجب أفضل منك، ويهتم بكرامة الناس، ويشعر بمعاناتهم، ويهرع إلى مساعدتهم، فإنك تغتاظ وتحنق، لأنك تخشى أن تنجذب له الناس وتتركك تصارع طواحين الهواء، وهذا سبب سخط بعض الجماعات من أفعال العميد طارق اليوم في مدينة تعز.

إن اعتراضهم، في جوهره، ليس على الطريقة أو الأسلوب، بل على الحضور القوي للعميد الذي يكشف هشاشتهم. لا يسخطون من أجل كرامة الناس، بل ينقمون على من يهتم بهم. حضور العميد المتزايد كل يوم يفضح غيابهم، وفاعليته تجعلهم عالقين في معارك السخط الفارغة، بلا جدوى تُذكر…تلك الفاعلية المتنامية هي ما تفضح هزالهم، فيهيجون ضدّه.

لو أنكم غيورين على حالهم كما تزعمون، لفعلتم مثل ما يفعل، ونافستموه بالمثل، ونزلتم للميدان لتحرسوا حياة الناس من التفكك والاندثار. في حالة كهذه، ستكون ملاحظاتكم وانتقادكم مقبولا. أما في غير ذلك، فلستم أكثر من مدمني نقمة، عاجزين عن الفعل، تحاولون إثبات وجودكم بطريقةٍ مثالية فارغة، لا تُشبع جائعًا، ولا تحرس قيمة.

باختصار، سواء قدم العميد مساعدات للناس أم لم يقدم، ففي الحالتين سيجدون ما يعترضون عليه. فهم قوم لا يقدرون على الفعل، ولا يريدون من أحد أن يفعل. لا حضور لهم، ويخشون من حضور الآخرين. لا مهمة لهم سوى احتراف النقمة والدفاع عن إنسانيتهم الخاملة، تلك التي تفتقد لمنطق الفعل وخيار المنافسة، وتكتفي بالسخط الدائم والكلام الذي لا يُطعم أحدًا.

وجود العميد بهذه القوة إلى جانب الناس في المدن والقرى، هو الذي يُعيد تعريف المعنى الحقيقي للقيادة، ويضع هؤلاء الناقمون في مواجهة سؤالٍ يُحاصرهم كل يوم: ماذا قدمتم أنتم؟ مـاذا فعلتم غير الكلام ؟