صدى الساحل - عبدالله الاهدل
اتهام الحراك التهامي بأنه بلا كوادر ليس مجرد تصريح عابر في سياق جدل سياسي، بل هو خطاب متجذر في ذهنية القوى التي مارست التهميش على تهامة لعقود طويلة، واعتادت تصويرها كأرض عاجزة عن إنتاج قياداتها، في محاولة لتبرير استمرار الوصاية عليها وإقصاء أبنائها من مراكز القرار. هذا الاتهام الذي أعادت بقايا الاحزاب والشلل الرباعي ترديده مؤخرًا، يأتي في لحظة فارقة يمر بها الحراك التهامي، حيث ينتقل إلى مرحلة جديدة من التشكّل السياسي والتنظيمي، يسعى فيها إلى إعادة بناء هياكله وتوسيع قاعدة تمثيله، بما يعكس إرادة الشارع التهامي الحقيقية، بعيدًا عن وصاية المراكز الحزبية التقليدية.
تاريخيًا، تعرضت تهامة لتهميش متعمد، حُرم فيه أبناؤها من أبسط حقوق المشاركة السياسية، وتم استبعاد الكفاءات التهامية لصالح شخصيات مفروضة من خارجها، وظيفتها الحفاظ على نفوذ المركز وضمان بقاء الوضع القائم. وغالبًا ما كانت هذه الشخصيات تعمل على تثبيت خطاب “غياب الكوادر” لتبرير تدخل القوى المركزية في الشأن التهامي، وإغلاق الباب أمام أي مشروع وطني مستقل ينطلق من الأرض نفسها.
القوى التي تروّج اليوم لهذا الخطاب هي نفسها التي فرطت في الأرض، وتنازلت عن الحقوق في صفقات سياسية واقتصادية مشبوهة، وهرولت نحو التحالف مع المحتل أو القوى المهيمنة في صنعاء، متجاهلة تضحيات أبناء تهامة ومعاناتهم. هذه القوى تعرف جيدًا أن الحراك التهامي في شكله الجديد يشكل تهديدًا مباشرًا لاحتكارها التاريخي للتمثيل السياسي، لأنه ينطلق من قاعدة جماهيرية واسعة، ويستند إلى شرعية ميدانية لا إلى توافقات مغلقة أو محاصصات حزبية.
الحراك التهامي، منذ نشأته، لم يعتمد على كوادر مصنوعة في مكاتب السلطة أو على ولاءات انتهازية، بل أفرز قيادات حقيقية خرجت من ساحات النضال، وخاضت معارك الدفاع عن الأرض والهوية، وقدمت تضحيات ملموسة من حريتها وأمنها الشخصي. هذه الكوادر ليست نتاج مجاملة سياسية، بل نتاج تراكم نضالي ومعايشة مباشرة لقضايا الناس.
الحديث عن “غياب الكوادر” في هذه اللحظة بالذات ليس بريئًا، بل هو جزء من معركة سياسية تستهدف نزع الشرعية عن الحراك في مرحلته الجديدة، وإعادة فرض الوصاية على قراره، وتهيئة الأرضية لعودة النخب الفاشلة التي لفظها الشارع. لكن واقع الحال يؤكد أن الحراك اليوم في طور إعادة التموضع، برؤية سياسية أكثر وضوحًا، وبنية تنظيمية أكثر صلابة، وإرادة أكبر على توسيع دائرة المشاركة الشعبية.
الكوادر الحقيقية لا تُقاس بعدد الشهادات أو المناصب السابقة، بل بقدرتها على الصمود في وجه الضغوط، ورفض المساومة على المبادئ، والاستعداد لتحمل كلفة الموقف الوطني. ومن باع الأرض وساوم على كرامتها لا يملك الحق في تقييم من يحميها. الحراك التهامي، في شكله الجديد، يثبت يومًا بعد يوم أن تهامة ليست بلا كوادر، بل إن الكوادر الحقيقية هي التي بقيت مخلصة للأرض والإنسان، بينما البقية مجرد أوراق ذابلة في مزابل التاريخ السياسي لليمن.