منوعات

الأربعاء - 18 مارس 2020 - الساعة 10:31 م بتوقيت اليمن ،،،

صحيفة العرب

للعرب تاريخ طويل مع القهوة، يبدأ يومهمبشرب فنجان أو فناجين من القهوة وينتهي بها، كما لا تعتبر الضيافة ضيافة إذا غابت،القهوة لا بد أن تتواجد في كل الأوقات، وإن غاب الماء يحضر الحليب، قهوة الحليبعادت إلينا من أوروبا بأسماء ومذاقات متعددة فأقبلنا عليها.

 

العين- تعدّ القهوة التي تصنع من بذورالبن المحمّصة من أكثر المشروبات والسلع انتشارا حول العالم وأصبحت وسيلة للتلاقيمع الآخرين ما يعد سببا في شعبيتها وتسميتها “المعشوقة السمراء”.

 

ويعتبر تقديم القهوة من أهم تقاليدالضيافة في المجتمع العربي عامة والمجتمع الإماراتي خاصة، وظلت تشكل جزءا أساسيامن الثقافة العربية على مدار قرون عدة وتتميز طريقة تحضيرها وتقديمها بتقاليدوآداب عربية أصيلة.

 

وقالت غاية الظاهري الباحثة في الثقافةالإماراتية، إن عاشق القهوة لا يستطيع الاستغناء عنها، ويفضلها على كل طعام وشراب،وإذا شح الماء قديما فذلك لن يشكل له أي معضلة حيث يقوم بحلب شاته أو ناقته، فيغليقليلا من البن مع الحليب لتحضير فنجان من قهوة بالحليب وهذه الطريقة في تحضيرالقهوة قد عرفت منذ زمن طويل لدى بدو الصحراء في منطقة بينونة بالإمارات وفيالمجتمعات الصحراوية العربية، وقد نقلها الرحالة الأوروبيون وأصبحت تعرف فيمجتمعاتهم بـ”كوفي لاتيه” التي هي في الحقيقة طريقة خرجت من تحت عباءة عرب باديةالجزيرة العربية.

 

وعادت القهوة مع الحليب في حلّة عصريةوأسماء مختلفة إلى الدول العربية، حيث تقبل عليها العائلات كفطور للصباح ويشربهاالشباب والفتيات في المقاهي الحديثة. وترمز القهوة إلى الكرم وحسن الضيافة التييتميز بها المجتمع الإماراتي ما جعلها متأصلة بقوة في التقاليد الإماراتية.

 

ونظرا للأهمية الثقافية والتراثية التيتحظى بها القهوة العربية قامت الإمارات وعدد من دول الخليج العربي بإدراجها عام2015 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.

 

مقادير الحليب تحدّد اسم القهوة

وقالت غاية الظاهري، إن انتشار القهوةفي منطقة الخليج العربي يعود إلى أكثر من 500 عام تقريبا إثر الامتداد الجغرافيوالجوار مع المناطق الحجازية التي منها انتشر شراب القهوة إلى ما حولها عن طريقرحلات الحج بعدما وفدت هذه القهوة من موطنها الأصلي في اليمن عن طريق الأسفارالتجارية ومن هناك تعرف عليها المجتمع الإماراتي.

 

وأضافت أن القهوة الإماراتية لهااحترامها وتقديرها المتعلق بقواعد الأدب والسلوك في المجتمع الإماراتي، فلا يعدإكرام الضيف له شأن إذا لم تقدم له القهوة حتى ولو نحرت له الذبائح وقدم له ما لذوطاب من طعام وشراب.

 

وأشارت إلى أن القهوة تعد من المتطلباتالأساسية في كل بيت إماراتي، فصار فنجان القهوة الرفيق اليومي الذي يبدأ معهمصباحهم ويكرمون به ضيفهم، فنجدهم يحرصون على تزويد البيت بحبوب القهوة باستمرارقبل نفاد الكمية المتوفرة، فلا يمر يوم والبيت خال من القهوة.

 

وأوضحت أن القهوة الإماراتية التيتتميز عن غيرها بطريقة ودرجة تحميصها وإضافة “القناد” الذي يتألف من مواد عطريةنباتية مثل الهيل والزعفران وغيرها، تصنع بعد صلاة الفجر مباشرة حيث كانوا ومازالوا يبدأون يومهم بفنجان من القهوة، أما الوقت الآخر الذي تصنع فيه القهوة فهوبعد أذان العصر مباشرة، ويطلق عليها “قهوة العصر”، وهذه الأوقات المتعارف عليها هيالأوقات العادية، أما إن كان هناك ضيف قادم فتصنع القهوة له في الحال.

 

وذكرت أن الدلة تعتبر من أهم الأدواتالمستخدمة أثناء تحضير القهوة فقد صُمّمت وزُيّنت بطريقة خاصة، وتوجد منها عدةأنواع تُستخدم أثناء تحضير وتقديم القهوة، ومنها ما هو متميز مثل “الدلة الفلاحية”التي تعتبر من الدلال الفاخرة، وتنسب إلى قبيلة آل بوفلاح العريقة، وتتميز عنغيرها بأنها رمز تراثي خاص يعبر عن أصالة النسب، وتجسد أيضا مفهوم الهوية الوطنيةالإماراتية، وأنها صنعت من أجود الخامات من الذهب والفضة وتميزت بدقة صنعها وأناقةشكلها والتناسق بين الشكل والحجم.

 

وأكدت الباحثة في الثقافة الإماراتية،أن الفنجان الذي تقدم القهوة فيه يعد أداة يعبر بها أفراد المجتمع عن مختلفالمواقف والأوضاع الاجتماعية التي تمجد الفضائل وتترفع عن الرذائل، وفي مقدمتهاخصلة الكرم التي ترمز للعطاء والجود والسخاء، وقد عرف العرب بكل هذه المعاني قبلمعرفتهم بالقهوة، لكن هذا الفنجان أضاف المعنى الجديد والأساسي للالتزام الشخصيوالجماعي في مواضيع اجتماعية شتى، فهو يرمز إلى دلالات عظيمة في العادات والتقاليدوالأعراف الأصيلة لدى العرب.

 

وأضافت أن من هذه الدلالات والعاداتالتي ترمز لها طلب الزواج، كما يعبر فنجان القهوة أيضا عن الالتزام في أخذ العهود،حيث يقال “بينا فنجان قهوة مشروب في حضرة خوان شما”، وهذا التعبير له دلالة علىتوثيق الأمر بين الجماعة إذ أن القهوة مطلوبة وحاضرة في أي مكان يكونون فيه.

 

وأكدت أن “المقهوي” وهو الشخص الذييقوم بتقديم القهوة للضيوف حاز على مكانة مميزة في مجتمع الإمارات، فتقديم القهوةيتطلب الكثير من الخبرة والمهارة والصفات والأخلاق الحميدة والمظهر الحسن واللياقةالبدنية التي يجب أن تتوفر في من يقوم بتقديم القهوة لما يتطلبه هذا العمل منثقافة تراثية أصيلة ومجهود بدني وذهني عال.

 

ولفتت الباحثة إلى أن القهوة لها قيمةمعنوية كبيرة في المجتمع الإماراتي حيث أنها تقدم كهدايا بين الأهل والأصدقاءوالجيران في مختلف المناسبات مثل شهر رمضان المبارك والانتقال إلى منازل جديدةومناسبات الزواج.

 

منوهة إلى أن حبوب البن كانت هي الهديةالتي ينتظرها الناس عند عودة المسافرين من الأسفار، كما كان يحدث في أول ظهور لهاعندما كان يجلبها الحجاج معهم وهم عائدون من أداء مناسك الحج، وهنا تبرز صفةالتكافل الاجتماعي التي هي السمة الغالبة بين أفراد المجتمع الإماراتي.

 

وقالت غاية الظاهري “بلغت أهمية القهوةفي المجتمع الإماراتي أنه خلال فترة الحرب العالمية الثانية من عام 1940 إلى 1945توقف استيراد البن تماما ما أدى إلى شحه، فأخذ الناس يبحثون عما يستعيضون به عنالبن المفقود، فاهتدوا إلى نواة التمر عوضا عنه، فصاروا يجمعون نوى التمور ثميقومون بتنظيفه وتحميصه وطحنه ويضاف بعد ذلك إلى الماء المغلي ليتحول لونه إلىاللون البني ويغدو طعمه قريبا من طعم شراب القهوة، وإن اختلفت النكهة”.

 

ونبهت إلى أن أنقرة تكشف بشكل متزايدعن موقف مناوئ للتحالف العربي وعن توجّه لاستخدام الملف اليمني كمنصة لصراعاتهاالإقليمية.