منوعات

الثلاثاء - 18 يونيو 2019 - الساعة 11:58 ص بتوقيت اليمن ،،،

ناهد خزام

تأسست أول دار سينما في الإمارات العربية المتحدة عام 1945، غير أن الإمارات لم تشهد صناعة فيلم محلي سوى في العام 1988 وهو فيلم “عابر سبيل” للمخرج علي العبدول، ومنذ ذلك التاريخ والبلد ينتج العديد من الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة، وهي التي مثلت على قلتها نماذج جيدة وواعدة رغم العراقيل الكثيرة التي واجهتها. وخلال العشر سنوات الأخيرة بدا واضحا أن صناعة السينما في الإمارات تشهد طفرة وتطورا ملحوظا من خلال الحضور اللافت للفيلم الإماراتي في صالات العرض المحلية والمشاركة في المهرجانات والفعاليات السينمائية المختلفة.

وقد مثل وجود المهرجانات والفعاليات السينمائية التي تنظمها دولة الإمارات حافزا لدى الكثير من صناع السينما الإماراتية، غير أن أكثر ما ساهم في هذا التطور الذي تشهده السينما في البلد الخليجي حاليا يتمثل في الدعم الرسمي لهذه الصناعة الناشئة.

وتتجه السينما الإماراتية هذا العام نحو منعطف في غاية الأهمية بعرض الفيلم الإماراتي “خورفكان 1507”، وهو العمل الذي حظي بكلفة إنتاجية كبيرة من قبل هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ونفذته شركة “جيت جو فيلمز”.

من الكتاب إلى الشاشة


يتناول “خورفكان 1507” واحدا من الأحداث التاريخية الفارقة في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، حين حاول الأسطول البرتغالي غزو سواحل مدينة خورفكان الإماراتية في بداية القرن السادس عشر ميلادي، وهي الحملة التي قادها ألفونسو دي ألبوكيرك أحد أكثر القادة البرتغاليين دموية خلال تلك الحقبة.

وأُسندت مهمة إخراج الفيلم إلى المخرج الأيرلندي- العالمي موريس سويني، وشاركت فيه نخبة كبيرة من الفنانين الإماراتيين والعرب، على رأسهم الفنان السوري رشيد عساف في دور ألفونسو دي ألبوكيرك، ومواطناه قيس الشيخ نجيب وقاسم ملحو، ومن الإمارات أحمد الجسمي ومحمد العامري وحبيب غلوم ومنصور الفيلي وعبدالله بن حيدر وعبدالرحمن الملا وغيرهم من الفنانين، وقد بلغ عدد العاملين في هذا الفيلم أكثر من ثلاثمئة بين أطقم عمل وممثلين خلافا للمجاميع، وتم إعداده بنسختين ناطقتين بالعربية والإنكليزية.

والأحداث التي يتناولها الفيلم مستوحاة من كتاب للشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة بعنوان “مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي سبتمبر 1507”، ويحكي الفيلم تفاصيل ما حدث في تلك الواقعة التاريخية، وكيف تصدى أهالي الساحل الإماراتي لذلك الغزو، وذلك في إطار يمزج بين الوثائقي والدرامي.

ويظهر الفيلم اتحاد أهالي المدينة الساحلية الصغيرة وتفانيهم في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما ساهم في إفشال حملة القائد البرتغالي على سواحل الإمارات والخليج العربي كافة.

ومن المعروف عن ذلك القائد البرتغالي أنه كان أكثر القادة البرتغاليين تعصبا ودموية، وكان من بين أهم أهداف حملته تلك على سواحل الخليج العربي الوصول إلى منطقة الحجاز ومكة، للسيطرة على أعز ما يمتلكه المسلمون من مقدسات.

وتمت جميع مراحل تصوير الفيلم في أماكن الأحداث الأصلية على شواطئ مدينة خورفكان الساحلية وبين مزارعها وجبالها، وقاد عمليات التصوير المصوّر الأيرلندي ريتشارد كيندريك، كما حظي العمل باهتمام الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة على نحو خاص، والذي أشرف بنفسه على سير عمليات التصوير واختيار المواقع وغير ذلك من التفاصيل.

وحسب ما جاء في الكتاب الذي وضعه الشيخ سلطان القاسمي “كانت مدينة خورفكان في ذلك الوقت تضم مجموعة متنوعة الأعراق من السكان، وكانت تتبع وقتها مملكة هرمز ويدير شؤونها وال من قبل المملكة”.

نموذج مبهر
تبدأ أحداث فيلم “خورفكان 1507” باستعراض الحياة الوادعة للسكان حتى تلوح في الأفق مجموعة ضخمة من السفن البرتغالية وهي تطارد أحد القوارب التابعة للمدينة، وينزل صاحب القارب إلى الساحل ويعلن عن قدوم البرتغاليين، فتنقلب حياة المدينة الآمنة رأسا على عقب، ويسرع السكان للذود عن مدينتهم بكل ما يمتلكونه من سلاح.

وفي الفيلم يؤدي الفنان أحمد الجسمي دور الحاج سليمان، وهو نموذج للرجل الإماراتي الذي يحاول التضحية بكل ما يملك من أجل الدفاع عن مدينته ويفتح بيته لرعاية الجرحى.

واستطاع الفنان السوري رشيد عساف أن يؤدي دور القائد البرتغالي بكل ما تنطوي عليه شخصيته التاريخية من عنف وهمجية، فساهم أداؤه المتميز في نقل ملامح الشخصية بصدق شديد، أما مواطنه السوري قيس الشيخ نجيب فقد لعب دور دو كامبو وهو أحد قادة الحملة، ويعد الشخصية المناقضة للقائد دي ألبوكيرك.

فيلم "خورفكان 1507" مستوحى من كتاب سلطان بن محمد القاسمي عن ملحمة تروي بطولة أبناء الساحل الإماراتي

ولعل إنتاج فيلم بهذا الحجم قد مثل فرصة حقيقية للفنانين الإماراتيين، إذ يمكن له أن يكون نواة حقيقية يتم البناء عليها لإنتاج المزيد من الأعمال الإماراتية مستقبلا، خاصة أن الإمارات تمتلك من القدرات ما يؤهلها للعب دور رائد في هذا المجال، على مستوى الإمكانيات المادية ومواقع التصوير والتسهيلات التصويرية والإنتاجية التي يتم تقديمها في أستوديوهات الإمارات، والتي تستقطب العديد من صناع الأفلام على مستوى العالم لاستكمال مشاريعهم على أرضها، فلا أقل من أن يكون لها إنتاجها الخاص النابع من قضاياها المحلية وأحداثها التاريخية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مخرج الفيلم موريس سويني هو أحد المخرجين العالميين المتميزين في مجال السينما الوثائقية تحديدا، وهو يمزج عادة بين الوثائقي والخيالي في أفلامه، وله كذلك عدد من الأفلام الروائية المميزة. ومن بين أبرز أفلامه خلال السنوات الأخيره فيلم “إنقاذ السفينة تايتانيك” عام 2012، وهو فيلم روائي حظي عند عرضه بقبول واسع من قبل الجمهور، وحاز عنه العديد من الجوائز في مهرجانات دولية ومحلية، كما حظي فيلمه “محاكمة القرن” الذي قدمه عام 2016 بالكثير من النقاش والجدل الواسع في بريطانيا كونه يؤرخ لحياة أحد أبرز زعماء الانفصال الأيرلندي عن بريطانيا في بداية القرن الماضي باتريك بيرس، والذي تم إعدامه ورفاقه من دون محاكمة حقيقية.

أما آخر أفلامه الوثائقية فهو فيلم “أنا دولرز” والذي اعتمد خلاله على شريط مسجل تروي فيه الناشطة دولرز برايس تجربتها المؤلمة أثناء الانخراط في تنظيم الجيش الجمهوري الأيرلندي خلال سبعينات القرن الماضي، ولعل كل هذا السجل الحافل بالإنجازات كان مدعاة لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون الإماراتية إلى الاستعانة به في إخراجه.