كتابات وآراء


الأحد - 22 يناير 2023 - الساعة 06:20 ص

كُتب بواسطة : فكري قاسم - ارشيف الكاتب



يولد اليمني بجناحين وجواز سفر
ولو تخيّره بين العالم وبلاده، يختار بلاده طبعًا، حتى ولو كانت خرابة.

واليمني لمّا يكون عايش في بلاده يجعثها وتجعثه
ولمّا يكون عايش في بلاد الناس يكون أكثر واحد متلزم بالأنظمة والقوانين، ويقول:
هيا لو بلادنا فيها نظام وقانون ما يقع بنا؟”.

وفي الظاهر يتكلم اليمني عن الفضائل وقال الله وقال الرسول
وفي الباطن تحدث الأفعال والأهوال في مجتمع باطني لا تنقصه الأخلاق وإنما تنقصه الحرية ليختار ما يريد.لأمر الذي يجعل منا شعبًا تائهًا يتزوج باكرًا، ويشيخ باكرًا
ويأوي باكرًا إلى تل الخسارات .

وبسبب الكبت والقات يفكر اليمني بالجنس خيرات
ويعتبر الحديث عنه قلة أدب، وأول ما يتزوج “يسمن” وبعد سنتين يضعف وتسأله مسرع يا فلان؟ يقلك:
– خلاااااص كمل أبو الليم

وابو يمن إنسان ظريف في كل حال ؛ تسأله كيف الأوضاع يا فلان؟ يختصر لك كل ما هو حاصل في العالم بكلمتين من دون رفيس ويقلّك:

– الدنيا معصودة عصيد

وكسرة رأس ابو يمن ؛ لما تسأله كم الساعة يافلان ؟
لأنه الكائن الوحيد على كوكب الأرض الذي يعيش الحياة متحملًا الأيام فوق “أعدانه”وما يصدق متى يجزع اليوم
ومتى يخلص الشهر
ومتى تكمل السنة، وتجي الذي بعدها
وكل الأيام والشهور والسنين عنده متشابهة، وكل البُرم عنده لسيس،
.
وفي حياته اليومية يكلمك اليمني في السياسة أكثر مما يكلمك عن أطفاله وعن شغله وعن هواياته وخيباته ونزواته.
وابو يمن يكره الانتظار والوقوف في الطابور ولا يجيد التعبير عن وداده بيُسر..
وهو كائن متقلب المزاج بطريقة تسأله في الصباح:

– كيف حالك يا فلان؟

يقلّك بتفاؤل: نحمد الله ونشكره على كل حال.

وفي العصر أول ما يبدأ تخزينة القات، تسأله: كيف انت ؟

يردّ منتعشًا: أووه في نعمة.

وبعد القات تسأله: كيف الحال؟

يرد عليك ضجران : والله من حق هذه الأيام.

وفي اليمن عمومًا
يستقبلك الكبير والصغير بجملة “أهلا يا أستاذ.. حياك الله يا فندم”، حتى لو كنت عاطلًا بلا عمل.

وكل حدث عظيم ينساه اليمني بسرعة، وكل حدث جسيم يدخل فيسع إلى دائرة المألوف والمعتاد، ويعيش الدهر بذاكرة مخزوقة

تقول لسواق التاكس: اليوم ارتفع سعر الدبة البترول..

يرد متذمرًا:

– الله يلعن أبوها بلاد.

وينبع في اليوم الثاني فيسع قبل الزحمة إلى السوق السوداء يشتري الدبة بكم ما وطلعت .

وفي اليوم الثالث وانت راكب معه فوق التاكس
وصوت المذيع في راديو السيارة يتكلم في نشرة الأخبار عن موجة غلاء فاحشة عصفت بالمواطنين في بنجلادش
تسمع السواق يتنهد عليهم من قلبه ويقلك :

– مساكين الناس في بنجلادش ياخي، الغلاء طحنهم ! لكن الله يلطف بالعباد!

يعني مفكود عليهم حانبين ؛ أما هو قد حل مشكلته
وخارج نفسه واشترى البترول من السوق السوداء.

وفي الحروب أول يوم يرتعب اليمني على “لقمته”
وتشوف الناس باليوم الثاني ساع الجراد في الأسواق يشتروا مقاضي البيت
وفي اليوم الثالث قد الحرب عندهم مجبر يومي في المقيل يتوالهوا به أثناء القات.

ومن بعد اسبوعين تتحول أصوات القوارح والانفجارات إلى مجال مفتوح للفُرجة وللشجن.

وقبول ؛ تتصل بجارتها خديجة في الحارة الثانية تسألها:

– ضربوا عندكم اليوم والا لا؟

ومرشد يسمع صوت قارح في الليل، ويتصل فيسع لمهيوب يبشّره:

– سمعت الدبيج؟

يقلُّه: أيوه سمعت، لكن القوارح حق اليوم رابخات مشهن سع حق أمس.

ومرشد يؤكد له:

– أيوه ياخي ما حق أمس إلا يالطيييف ما خلونا نهجع ولا نرقد! يعني الآدمي مرشد ما يشتي يهرب، يشتي يهجع ويرقد بس
وعيال اللذينا ؛ ما خلوه يهجع.

وعند اشتداد المحن بالذات يتحول إنسان اليمن، بقدرة ذهنية سريعة، إلى قلب ضحوك ؛ يسخر من كل شيىء
من الموت، ومن الحياة، ومن الحظوظ، ومن الشخوص الذين تسببوا في صناعة العذاب والمحن.
................................

ملحوظه.. المقال منقول من صحيفة اليمني الأميركي