تخيل أن تكون آمناً وسط عائلتك، بعد سنوات من الابتعاد عن الأضواء والعمل الصحفي، تعيش في ظل هدنة نفسية صنعها الزمن والخذلان، بعدما أجبرتك الحرب على كسر قلمك، وطي دفترك، والانسحاب من ساحة الكلمة، وفجأة، وفي ظلام الليل، تُداهم منزلك ميليشيا مدججة بالسلاح، وتقتادك عنوة أمام عيون أطفالك، وزوجتك، ووالديك، إلى مصير غامض، لا يُستبعد أن يكون آخره زنزانة باردة أو حتى حبل مشنقة، او إعدام تقرره تلك الجماعة.
هذا ليس مشهدًا من رواية ديستوبية، بل واقع مرير يحدث في الحديدة اليمنية، حيث أقدمت جماعة الحوثي على اختطاف عدد من الصحفيين والناشطين الإعلاميين، لا لشيء إلا لأنهم في زمن ما، حملوا الكاميرا أو كتبوا الحقيقة، ثم عادوا إلى حياة مدنية صامتة، لكن في عُرف الميليشيا، الصمت لا يُغفر، والتاريخ الشخصي جريمة لا تسقط بالتقادم.
لم يكن الزملاء الصحافيين وليد غالب، أو حسن زياد، والمصور عبدالجبار زياد، والمصور عبدالعزيز النوم، والناشطَين الإعلاميَّين عاصم محمد، وعبدالمجيد الزيلعي، في مهمة صحفية، أو في مواجهة مسلحة، أو حتى في نشاط سياسي. كانوا في بيوتهم، بين أهلهم، وقد فارق معظمهم مهنة الصحافة منذ سنوات، لكن الجماعة التي لا تؤمن بالحرية، ولا تعترف بكرامة الإنسان، لا تطيق حتى الذكرى القديمة لصوت حر.
الاختطاف القسري الذي تعرض له هؤلاء ليس فقط انتهاكًا للقانون، بل انتهاك لفكرة الإنسان ذاته، هو إعلان حرب على الذاكرة، على الأثر، على الماضي الذي لم يُمحَ رغم صمت الحاضر. هو رسالة رعب لكل من يفكر أن يكون يومًا حرًا، ولو بينه وبين نفسه.
منذ انقلابها على السلطة، سعت ميليشيا الحوثي إلى محو أي مساحة للتعبير، وصادرت الصحف، وأغلقت الإذاعات، وطاردت الصحفيين في المدن والقرى والمنافي، واليوم، لم تعد تكتفي بإسكات من يكتب، بل تسعى إلى عقاب من كان يكتب.
نحن نعيش في زمن يتساوى فيه القلم والرصاص، بل ربما يغدو القلم أكثر خطرًا على من يخشون الكلمة، لهذا، لا ينبغي أن يُواجه اختطاف هؤلاء الصحفيين بصمت عالمي، أو ببيانات باهتة، لا بد من تحرك حقيقي، تضغط فيه المنظمات الحقوقية، وتعلو فيه الأصوات الحرة من كل مكان، دفاعًا عن زملائنا، ودفاعًا عن جوهر الصحافة.