اخبار وتقارير

الجمعة - 30 مايو 2025 - الساعة 04:21 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - بقلم الإعلامي/ منور مقبل





انهيار التجربة الحزبية الجمهورية شكَّل تحولًا جذريًا في المشهد السياسي اليمني، ودفع البلاد نحو فراغٍ أنتج صعود الحوثية ككيانٍ يستغل هشاشة النظام العام لتعزيز سلطته عبر أدواتٍ لا ترتكز على مشروعٍ سياسيٍّ واضح. التنظيمات الوطنية التي ظهرت خلال القرن الماضي حملت أفكارًا تهدف إلى إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، لكنها لم تتمكن من ترجمة هذه التصورات إلى واقعٍ مستدامٍ، مما جعلها عاجزةً عن مواجهة التحديات المتجددة، وأفضى إلى حالةٍ من الجمود السياسي أضعفت قدرتها على إعادة تشكيل المشهد وفق معاييرٍ تضمن استمرارية التغيير.

ظهور الحوثية لم يكن امتدادًا لهذه المسارات الفكرية، وإنما جاء كإحدى نتائج الفوضى التي ضربت اليمن، فتحولت الجماعة إلى قوةٍ تستمد وجودها من العنف بدلاً من تبني رؤيةٍ سياسيةٍ تسمح لها بأن تكون جزءًا من مستقبل البلاد. التنظيمات السابقة تمكنت من إدخال مفاهيم جديدةٍ إلى المجال السياسي رغم الإخفاقات التي واجهتها، أما الحوثيون فقد اعتمدوا على تكريس النزاعات دون محاولة صياغة نموذجٍ سياسيٍّ قابلٍ للاستمرار، مما جعل سلطتهم تقوم على فرض الهيمنة دون تقديم تصوراتٍ تُسهم في بناء الدولة.

إعادة تشكيل السلطة عبر القوة عزز ارتباط الحوثيين بمشروعٍ يتجاوز اليمن، حيث تحولت الجماعة إلى أداةٍ ضمن خطةٍ إقليميةٍ تهدف إلى بسط النفوذ السياسي والعسكري، ووجدت إيران فرصةً لتوسيع هيمنتها عبر استثمار الأزمة السياسية اليمنية لصالح مشروعها التوسعي، مما أدى إلى إدماج الحوثيين داخل استراتيجياتٍ إقليميةٍ تُمكّنهم من فرض واقعٍ يخدم مصالح القوى الخارجية أكثر مما يخدم المجتمع اليمني. السيطرة العسكرية التي فرضتها الجماعة لم تكن جزءًا من تحولٍ سياسيٍّ يهدف إلى بناء نظامٍ مستقر، بل جاءت ضمن ترتيباتٍ تُحافظ على استمراريتهم عبر استدامة النزاع، مما يمنع أي محاولةٍ للوصول إلى حلولٍ تُنهي الأزمة.

غياب مشروعٍ سياسيٍّ متماسكٍ جعل الحوثيين يستغلون الفراغ دون الحاجة إلى تطوير أدواتٍ عقلانيةٍ تُمكّنهم من التفاعل مع المشهد السياسي، مما أفضى إلى حالةٍ من التصلب السياسي تُعرقل أي جهودٍ تهدف إلى إعادة ترتيب العلاقات السياسية داخل اليمن، وتُكرِّس سلطةً تُدار بأسلوبٍ يمنع الوصول إلى تفاهماتٍ وطنيةٍ تُسهم في تحقيق الاستقرار. استمرار الجماعة لا يعتمد على قدرتها على تقديم صياغةٍ جديدةٍ للمشهد السياسي، بل يرتكز على إبقاء النزاع مفتوحًا كوسيلةٍ لضمان بقائهم داخل المعادلة، مما يزيد من تعقيد الصراع اليمني، ويُفرز أزماتٍ تُعيد البلاد إلى دائرة التوتر المستمر.

مواجهة الحوثية تحتاج إلى رؤيةٍ تتجاوز العمل العسكري، فإعادة ترتيب المشهد اليمني لن تتحقق دون استعادة التوازن السياسي عبر تصورٍ يُحرّر البلاد من الخطاب الذي يُنتج النزاعات لخدمة الأجندات الإقليمية، فالتغيير لن يأتي عبر المواجهات المسلحة وحدها، وإنما يحتاج إلى تفكيك الأدوات التي تُستخدم لتثبيت سلطةٍ تُقصي أي محاولةٍ لصياغة مشروعٍ سياسيٍّ يضع اليمن على مسارٍ أكثر استقرارًا، ويعيد بناء الدولة ضمن رؤيةٍ تُحرّرها من الحسابات الخارجية.