جرائم وانتهاكات

الأربعاء - 04 يونيو 2025 - الساعة 05:28 م بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - عدن

شهد شهر مايو 2025 تصعيدًا خطيرًا في الانتهاكات ضد الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي في اليمن، حيث تم تسجيل (21) انتهاكًا تنوعت بين الاعتقال التعسفي، التهديد، المحاكمات غير العادلة، والقيود على حرية العمل الإعلامي.

ويأتي هذا في سياق تراكمي لانتهاكات طالت الصحافة اليمنية منذ بدء الصراع، حيث رصد المرصد أكثر من 2622 انتهاكًا منذ عام 2015، بينها حالات قتل وتعذيب واختفاء قسري واعتقال تعسفي، ما يعكس تدهورًا مقلقًا في واقع حرية التعبير بالبلاد.

 

حكم بالسجن على خلفية الرأي

في 24 مايو، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء – الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي – حكمًا قضى بسجن الصحفي محمد المياحي لمدة عام ونصف، مع إلزامه بتقديم تعهد خطي وضمان مالي بقيمة خمسة ملايين ريال، كشرط لعدم تكرار ما وصفته المحكمة بـ"الأفعال المخالفة"، في إشارة إلى مقالاته وآرائه المنتقدة للوضع الاقتصادي والأمني.

محامي الدفاع، عبدالمجيد صبرة، وصف الحكم بأنه جائر، مشيرًا إلى أن القاضي قرأ نص الحكم من هاتفه، مما يعكس غياب استقلال القضاء. كما أُصدر الحكم في جلسة هي الثانية فقط، ودون أن يحظى المياحي بفرصة الدفاع الكاملة عن نفسه، في محكمة لا تملك الاختصاص النوعي للنظر في قضايا الصحافة.

يُذكر أن المياحي اعتُقل في سبتمبر 2024 بعد اقتحام منزله من قبل جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، وتم إخفاؤه قسرًا، قبل الكشف عن مكان احتجازه. وقد حصل لاحقًا على جائزة الشجاعة الصحفية مناصفة مع الصحفي أحمد ماهر، من مرصد الحريات الإعلامية، تكريمًا لجهوده في نقل الحقيقة رغم التهديدات.

 

اعتقالات جماعية في الحديدة

في انتهاك صارخ جديد، اعتقلت جماعة الحوثي ستة صحفيين وناشطين إعلاميين في محافظة الحديدة دون أي مسوغ قانوني.  ليتم  بعد ذلك نقلهم جميعها لسجن جهاز الأمن والمخابرات صنعا، من بين المعتقلين: مروة محمد طالبة إعلام- وليد غالب نائب رئيس نقابة الصحفيين بالحديدة - المصور عبد الجبار زياد - المخرج عبد العزيز النوم - الكاتب عاصم محمد - الناشط عبد المجيد الزيلعي وقد تم احتجازهم في سجون تابعة للأمن السياسي في الحديدة، مع منع الزيارة أو التواصل مع محامين قبل أن يتم نقلهم لسجن الأمن والمخابرات بصنعاء. هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان قضية تسعة صحفيين اعتقلوا سابقًا دفعة واحدة من صنعاء، في حملة استهدفت حرية التعبير بشكل مباشر.

 

قرار رسمي بمنع التصوير

أصدر مكتب أمين العاصمة صنعاء في 28 مايو مذكرة تمنع أي تصوير ميداني أو مقابلات من قبل الإعلاميين أو منشئي المحتوى، إلا بتصريح مسبق من وزارة الإعلام الخاضعة لسيطرة الجماعة. ويعد هذا التوسع في الحظر ليشمل المواطنين العاديين تطورًا خطيرًا، يعزز الرقابة الشاملة ويقيد النشر، ويهدف بحسب مراقبين إلى عزل العالم عن حقيقة الأوضاع في مناطق سيطرة الجماعة.

وقال رئيس مرصد الحريات الإعلامية، مصطفى نصر، إن ما يميز القرار الجديد ليس مجرد منع التصوير، بل الخطير فيه هو امتداده ليشمل المواطنين العاديين ومنشئي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة تهدف إلى تعزيز القبضة الأمنية وتوسيع أدوات القمع، بحيث تتحكم الجماعة بما يُنشر وما يُمنع، ضمن محاولات مستمرة لإبعاد أنظار العالم عما يحدث في مناطق سيطرتها.

 

وأشار نصر إلى أن جماعة الحوثي منذ اللحظات الأولى لفرض نفوذها على عدد من المناطق اليمنية، عملت على تقييد الصحفيين ووسائل الإعلام من خلال اشتراط الحصول على تصاريح مسبقة للتصوير، وقد وثّق المرصد قصصًا عديدة حول هذه الانتهاكات في تقرير صادر عام 2022.

 

التهديد بالتصفية.. أداة جديدة لإسكات الأصوات

تعرض الصحفي عبدالرحمن الربيعي لحملة تحريض شملت نشر اسمه ضمن قوائم اتهمتها شخصيات حوثية بالخيانة، مع دعوات صريحة لمراقبته وأقاربه، وهي خطوة تهدد سلامته الشخصية وتمثل انتهاكًا خطيرًا للحق في الأمن والحياة.

في محافظة ذمار، اضطر الصحفي فؤاد النهاري للفرار من منطقته بعد تلقيه تهديدًا مباشرًا بالقتل، ومحاولة مداهمة منزله من قبل جماعة مسلحة. هذه الحوادث تسببت بتهجير قسري لصحفيين، وإبعادهم عن أسرهم وأعمالهم.

 

الاعتداء على الصحفيين في مناطق الحكومة

رغم الاعتقاد بأن مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا أكثر أمانًا، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. ففي مأرب، تعرض الصحفيان عبدالرحمن الحميدي ونجم الدين الصبري للاحتجاز والتهديد على يد سلطات أمنية بعد نشر الحميدي منشورًا يطالب بمحاسبة المعتدين على زميله. وتم إجبار الحميدي على حذف منشوره والتوقيع على تعهد بعدم النشر دون موافقة الأمن، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في تقييد الصحافة.

وفي تعز، حضرموت، عدن، وسقطرى، تم تسجيل حوادث متعددة شملت التهديد، الاعتقال، والاعتداء الجسدي بحق عدد من الصحفيين. فقد تلقى الصحفي أبو بكر اليوسفي تهديدًا صريحًا بالتصفية الجسدية، فيما تعرّض الصحفي عمران الحمادي للاعتداء والاحتجاز القسري، قبل أن يُجبر على التنازل عن قضيته. كما واجه الصحفي ياسين العقلاني تهديدًا مباشرًا على خلفية نشره تحقيقًا صحفيًا كشف شبهات فساد.

وفي حضرموت، تعرّض الصحفي محمد عمر، مراسل قناة بلقيس الفضائية، للاعتداء أثناء تغطيته احتجاجات في مستشفى ابن سيناء. أما في عدن، فقد تم احتجاز المصور الصحفي حسين بلحاسب أثناء تغطيته لوقفة نسائية سلمية، في حين شهدت سقطرى اعتقال الإعلامي نوار أحمد شعبان على خلفية منشورات صحفية نشرها على وسائل التواصل.

وفي ظل استمرار سياسة الإفلات من العقاب، تزداد الانتهاكات بحق الصحفيين يومًا بعد يوم، دون محاسبة حقيقية للجناة أو رادع قانوني يحمي حرية الصحافة. هذا الصمت القضائي والتجاهل الرسمي شجّع على تصاعد الممارسات التعسفية ضد الإعلاميين، مما خلق بيئة خطرة للعمل الصحفي في اليمن، وأدى إلى تقويض دور الإعلام الحر في مراقبة الحقيقة ونقل صوت المواطنين.