صدى الساحل - كتب / د. علي العسلي
هل كانت عدن – قبل ثلاثة أيام – على موعد مع حلول استثنائية فعلاً، أم مع عرضٍ مسرحيٍّ جديد من سلسلة اجتماعات "النسخ واللصق" المعتادة؟
وهل يكفي أن يجتمع فخامة الرئيس مع لجنة إدارة الأزمات حتى يتغيّر حال اليمنيين؟
أم أن "إدارة الأزمات" لم تَعُد وسيلةً للنجاة، بل غدت واحدة من ملامح الأزمة المستمرة؟!
هل ننتظر من اللجنة أن تنقذنا... أم نحتاج إلى من ينقذنا منها؟!
المتابع لاجتماعات هذه اللجنة قد يُصاب – لا قدّر الله – بأزمة قلبية، أو على الأقل بأزمة وعي سياسي حادة، من هول التناقض بين ضخامة العناوين التي تُصاغ بها البيانات، والواقع البائس الذي يعيشه اليمنيون، حيث تسحقهم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وتتآكل ما تبقّى من قيمة الريال، وتُلهب أسعار السلع ظهور الفقراء وصدورهم.
وبينما ينهار واقع الناس من سيئ إلى أسوأ، ومن تراجع إلى دمار، تظل الاجتماعات تُنتج البيانات... لا الحلول.
فهل نحن أمام إدارة حقيقية للأزمات وفق أسس علمية وعملية؟
أم أمام إعادة تدوير لفشل قديم، بأدوات جديدة وألفاظ مكرّرة؟
أزمة تجرّ أخرى... فمن يُدير من؟!
اجتماع الأربعاء، برئاسة الدكتور رشاد العليمي، وبحضور رئيس الوزراء وكبار مسؤولي الدولة، خُصص – كما قيل – لمناقشة "المستجدات السياسية والاقتصادية والخدمية والإنسانية".
لكن السؤال الأهم: هل هناك مستجدات فعلًا؟
أم أننا نُعيد فقط استنساخ نفس الأزمات؟
• تدهور العملة بلا توقف؟
• انفلات أسعار السلع؟
• أزمة الكهرباء والغاز؟
• انهيار الخدمات الأساسية؟
• توقف تصدير النفط؟
• انقطاع أو تأخّر صرف الرواتب؟
• تصعيد المليشيا الحوثية؟
• استمرار الانهيار الإنساني؟
أم أن "الجديد الوحيد" هو تفاقم الإحباط الشعبي، وتورّم اللجان، وتكرار الاجتماعات العقيمة، وإنتاج نفس النتائج... أو بالأحرى: نفس "اللاشيء"!
العملة تُفضح الواقع!
لمن يبحث عن دليل عملي على فشل اللجنة في تحقيق أي تحسّن ملموس، تكفي نظرة إلى سعر صرف الدولار في عدن قبل وبعد اجتماع لجنة إدارة الأزمات.
ففي يوم الأربعاء 18 يونيو، كان الدولار يُشترى بـ 2690 ريالًا ويُباع بـ 2712 ريالًا.
أما اليوم السبت 21 يونيو، فقد قفز السعر إلى 2716 ريالًا للشراء و2735 ريالًا للبيع.
هذا الارتفاع بمقدار 26 ريالًا في الشراء و23 ريالًا في البيع خلال 72 ساعة فقط، يعادل تدهورًا بنسبة تقارب 0.9%.
ما يكشف بوضوح أن الاجتماع لم يكن سوى إعادة إنتاج للفشل، لا خطوة على طريق الإنقاذ.
بل إن الريال نفسه يقول بصراحة ما لا يُقال في البيانات الرسمية:
"لا جديد... بل الأسوأ قادم!"
فلنسأل بصراحة وشفافية:
هل المليشيا الحوثية الانقلابية الإرهابية وحدها هي السبب؟
أم أن التراخي الرسمي، والتراجع عن القرارات الصائبة، والتنازل أمام الضغوط، والتردد في الحسم، هو ما منح الحوثيين فرصة التمدد والابتزاز؟
هل يمكن لمجلس قيادة رئاسي أن يدير الأزمات في بلد تتقاسمه سلطات متناحرة، ومناطق مقسّمة، وقرار سياسي مشتّت؟
وهل تنفع المعالجات الاقتصادية في ظل احتكار المليشيا للمراكز السكانية والاقتصادية ورجال الأعمال والبنوك والموانئ المهمة وسوق النفط والعملة؟
وهل يكفي أن نحذّر من الزج باليمن في صراعات إقليمية، بينما البلاد غارقة حتى النخاع في تلك الصراعات، والقرار اليمني موزّع بين العواصم؟
تكرار السيناريو... واستهلاك الأمل!
دعونا نلخّص ما تفعله لجنة إدارة الأزمات:
1. اجتماع طارئ
2. إحاطة بالوضع
3. استعراض تقارير
4. طرح بدائل
5. تثمين مواقف الأشقاء
6. التذمّر من الحوثي
7. مناشدة المجتمع الدولي
ثم... لا جديد في الواقع!
فهل هذه إدارة أزمة... أم إعادة إنتاج للأزمة ذاتها؟
هل هذا إنقاذ... أم تعميق للغرق؟
هل هذا حلّ... أم تسويف وتمديد للألم؟
ومتى نتحرك بدلًا من الاكتفاء بالتحذير؟!
ما يجب فعله: خارطة طريق بديلة
إذا أردنا إدارة حقيقية للأزمات، فلا بد من تجاوز هذه اللجان الشكلية نحو غرفة عمليات وطنية مصغّرة، تضم خبراء مستقلين من الداخل والخارج، وتعمل بتفويض سيادي مباشر، وبآليات استثنائية واضحة، ووفق خطة زمنية معلنة... لا بيانات إعلامية.
ويجب أن تعمل هذه الغرفة وفق الآتي:
• إنشاء مركز معلومات دقيق لتشخيص المشكلات بالأرقام.
• تحديد أولويات عاجلة (وقف انهيار العملة، صرف الرواتب، الكهرباء، الغاز، سعر الصرف، الموانئ).
• إلغاء التعويم وتحديد سعر صرف رسمي للعملة.
• فرض رقابة مباشرة على الإيرادات والموارد العامة.
• استعادة السيطرة المالية من يد المليشيا، عبر أدوات ضغط مدروسة.
• وضع آلية تواصل ومساءلة دورية مع الشعب.
• تشكيل لجنة دبلوماسية للضغط على المجتمع الدولي لرفع الحظر عن تصدير النفط من الموانئ المحررة وربط ذلك بالوضع الإنساني والمعيشي.
أما الاستمرار بهذا الشكل البيروقراطي، فهو طريق مفتوح نحو الانهيار!
المشكلة في الإدارة... لا في الأزمات!
اللجنة فاشلة، القيادة منقسمة، الإرادة مفقودة، القرارات لا تُنفّذ، والشعب لم يعد يحتمل الانتظار!
وما لم يتم حسم الملف الحوثي بقرار وطني جريء ومدعوم إقليميًا، فكل لجنة ستكون عنوانًا لفشل جديد، وكل اجتماع محاولة لشراء الوقت، لا لصناعة الحلول.
وما لم تتم استعادة القرار الوطني المغتصب، والتحرر من التبعية، وتوظيف المتغيرات الإقليمية لصالح اليمن، فإن الحديث عن معالجات اقتصادية أو إنسانية... مجرد خداع سياسي مكشوف!
خاتمة لا بد منها
عندما تتحوّل لجنة إدارة الأزمات إلى مصدر قلق بدلًا من أن تكون صمّام أمان،
وعندما يصبح المواطن أكثر وعيًا بالأزمات من اللجنة ذاتها،
وعندما تتدهور العملة والأسعار عقب كل اجتماع،
فاعلم أن اللجنة لا تُدير أزمة... بل تُشارك فيها!
وأن الاجتماعات لا تُنتج إلا البيانات... ولا تُنقذ وطنًا!
فهل يُلام الشعب إن بحث عن طريق للخلاص بعيدًا عن طريقة هذه اللجنة؟
آن الأوان أن نقولها صراحة:
لا إنقاذ دون تحرير القرار من قبضة المليشيا،
ولا إصلاح دون حسم،
ولا حلّ دون جرأة!
اللجنة؟ ما دامت لا تحلّ الأزمات... فلتُحلّ هي نفسها!
فالبلاد على حافة الانهيار، والشعب لم يعد يحتمل "اجتماعًا آخر"... بلا نتيجة!