صدى الساحل - بقلم/ د.منى الزيادي
عندما نتحدث عن الفن سنجدهُ عميده، وعندما نتحدث عن الغناء سنجدهُ أكيده، صوته الدافئ يغزو أعماق القلوب، لتجد من يستمع إليه يُصبح شغوفاً، ميالاً، عاشقاً، مُحباً، مُدمناً لسماع صوته.
فمن يكون ذلك البلبل الغريد، والصوت العذب الدافئ*؟
إنهُ ملك الأغنية اليمنية أيوب طارش نائف العبسي، من مواليد (1942).*
أشتهر بأسم أيوب طارش، كم غرد بالأناشيد الوطنية، والأغاني الرومانسية، وهانحن نُردد النشيد الوطني في كل مناسبة، الذي دندد به بمطلع ميلاد الوحدة اليمنية العظيمة عام 1990*
فماذا نعرف عن هذا العملاق اليمني؟
ولد أيوب طارش في قرية المحربي، في عزلة الأعبوس، بمحافظة تعز، عشق الغناء من صباه الباكر، وكانت أول أغانيه أغنية وا مسافر من كلمات أخيه(محمد بن طارش)، وقد كانت أبرز حدث لأكتشاف موهبته الفنية.*
حُظي الفنان الكبير أيوب طارش على عدد من الجوائز والأوسمة:*
منها وسام الفنون من الدرجة الأولى سنة 1399هـ الموافق 1979م*
ودرع الثقافة سنة 1423هـ الموافق 2003، وتم تكريمه من وزارة الثقافة، ومؤسسة العفيف الثقافية، ومحافظة تعز، وجامعة الملكة أروى، ومجلة بلقيس، والقنصلية اليمنية بجدة، ومحافظة عمران، ومؤسسة السعيد للعلوم الثقافية، وجامعة عدن، وملتقى الرقي والتقدم، ويُعدّ مدرسة فنية قائمة بذاتها، جمعت بين الموروث بتطويره وتحسينه، وبين الإبداعات في مختلف الأغراض الإنسانية والفنية، وأتجهت في الآونة الأخيرة نحو التصوف كقيمة روحية ثرية، فأبدع صاحب الترجمة في أغانٍ شتى، منها أغنية "يارب بهم" وأغنية " جلاء القلب" وغيرها.
ما أروعنا بمثل هذه الهامات والقامات الفنية البارعة، فهناك دول تفتقر لمثل ذلك الفن الأصيل، ولكننا هنا في اليمن لدينا التاريخ كله والآثار كلها، ولدينا كل هذه الكنوز وكل هذا الجمال ، ولكننا وللإسف مُصابون بالعمى، والأمية التي تجهل قيمة الكنوز التي بأرضنا.
وللإسف ترانا نلهث وراء الفنون العربية والغربية، ونحن نمتلك أصولها وجذورها في بلدنا، وأقصد بذلك النُخب السياسية والإعلامية والثقافية التي تعجز عن رؤية الجمال ، وإن رأته لا تلتفت إليه ولا تُقدره ولا تعرف قيمته.!!*
فمن المفترض أن الشامخ والماجد الفنان الكبير أيوب طارش يحظى بالأهتمام الكبير، ويُدير مؤسسة الأيوب ليتخرج على يده فنانين صاعدين، بدعم من الدولة.
وذلك لإن صوته يُدغدغ المشاعر ويحرك الأحاسيس الراكده، ويوقظ أحلامنا من سُبات نومها، ويحاول جاهداً وعبر أوتاره الحريرية جرنا من مستنقع الآحزان إلى عالمٌ يكتض بالأمل والتفاؤل لما هو آت، فأيوب بصوته الطافح بالحزن والاسى، وجسمه المُثخن بالإلم وصوته المغمور بالحب يحاول أنتشالنا من عمق الأحداث بصوته الجميل العذب حينما يُغرد بكل ثقة وأقتدار وحماس بالنشيد الوطني، الذي لحنهُ وغناه بصوته الملائكي
رددي أيُتها الدنيا نشيدي، ردديه وأعيدي وأعيدي، وأذكري في فرحتي كل شهيدي
هكذا صدح أيوب بصوته الخالص لليمن وللإنسان وللأرض والزراعة والمغترب والجندي والمسافر، وقد كان الأقرب للناس البسطاء والميسورين والساسة والمثقفين ورجال المال والأعمال، ليس في تعز فحسب ولكن في مختلف المحافظات اليمنية، وقد نال النصيب الأكبر من حب وأحترام جماهيره في الداخل والخارج.
ماذا لو كان يُدير مؤسسة ثقافية ويُقيم الدورات لروادها، كم سيتخرج من أيوب على يديه.!
أيوب طارش الفنان المتواضع، الذي غنى للشعب، والذي يسمع أغانيه يعتبر نفسه هو المقصود، فكان لهُ الحب الوفير من جميع فئات الشعب، ولاستغلال محبة الناس لأيوب أرادت بعض الأحزاب السياسية أن يكون مرشحها للمجلس النيابي، فكان موقفه الرفض وبلا مواربه.
ورغم قساواة الظروف التي كان يعيشها فنان اليمن الشامخ أيوب طارش إلا إنهُ لم يُسخَّر فنه للتكسب أو للتقرَّب من أحد، وفي هذا السياق يقول في إحدى مقابلاته الصحفية:"الغناء رسالة قبل أن يكون صوتاً جميلاً وكلماتٍ يصلُ معناها إلى كل قلب مترجمة لكل الأحاسيس والمعاني.
وهذا الموقف أنعكس على كلَّ ما أبدّعه لحناً وغناء، وعلى كل علاقاته الفنية والحياتية.
لهُ المئات من الأغاني الرائعة والماجدة، ترسخت بالوجدان، ووضعت بصمتها خالدة لجميع الأجيال.
إن المقام لا يكفي لسرد تاريخه الغنائي الغني والزاخر بشتى ألوان الأغاني والأناشيد الوطنية المُعبره، وقد كان من المفترض ان يبقى الفنان العظيم أيوب طارش هنا في اليمن، ولهُ مقامه الكبير بيننا.
ولكن الحرب، والتمزق، والضياع، والإهمال هو من أجبره على الرحيل من وطنه وهو مجروح الخاطر، مفؤود القلب على ما يجري في وطنه اليمن.
إن أيوب طارش يملك من العبقرية مالم يملكه إلا القليلون مثل فيروز والأخوان رحباني وأم كلثوم وعبدالوهاب وسيد مكاوي ومالك وجميلة والغريض والموصلي وعظماء ومجاذيب حضرة الفن.
إن أيوب طارش بالعود فقط، قادرٌ على صنع حالة لا تصنعها أوركسترا ببساطة، له عبقرية البساطة والأ