اخبار وتقارير

الإثنين - 30 يونيو 2025 - الساعة 02:17 ص بتوقيت اليمن ،،،

صدى الساحل - كتب / حسين الشدادي






فيما انشغلت أقلام بعض الصحفيين والناشطين المقربين من حزب الإصلاح، بالهجوم الممنهج على العميد طارق محمد عبدالله صالح، بدا أن هذا الهجوم لا يتعدى كونه تكرارًا لخطاب مناطقي يحاول صبغ الخلاف السياسي بلبوس جهوي مقيت، في وقتٍ تتطلب فيه المعركة الوطنية تكاتفًا وتجاوزًا للانتماءات الضيقة.

تحت عنوان التضليل الإعلامي والتزييف السياسي، جاء تقرير “المجهر” ليبني سردية تتحدث عن فشل طارق صالح في خوض معركة تحرير صنعاء، متناسية أن الطريق إلى صنعاء لا يبدأ من خلف الشاشات، بل من الميدان، حيث يُعبّد الطريق الممتد شرقًا عبر جبل النار وموزع ثم الكدحة، وصولًا إلى قلب مدينة المخا.

هذا الطريق – الذي بات اليوم شريان حياة وتنمية – ليس إلا جزءًا من مشروع تنموي وعسكري يثبت أن تعز والساحل الغربي جسدٌ واحد، ووحدة جغرافية لا تقبل التقسيم، وهو ما تؤكده مشاريع الطرق التي تربط تعز بالمخا، وتخدم أبناء المحافظة من شرقها إلى غربها.

في مقابل ذلك، يتحدث تقرير المجهر عن “مراوغة سياسية” لطارق صالح، بينما يغفل عمدًا عن موقعه كمكون وطني في مجلس القيادة الرئاسي، وعضو شرعي يمثل المقاومة الوطنية، لا كيانًا مفصولًا عن الدولة. وإذا كانت مشاركة قواته قد توقفت عند اتفاق ستوكهولم، فذلك ليس تقاعسًا، بل التزامًا باتفاق دولي رعته الأمم المتحدة، لا يستطيع تجاوزه طرف يلتزم بالشرعية.

وعن الحديث عن ضعف المشاركة العسكرية، يتجاهل التقرير عن قصد دور المقاومة الوطنية في حفظ الأمن في المناطق المحررة، وعن احتفاظها بجهوزية كاملة لأي طارئ. فالمعركة الوطنية لم تنتهِ، وإنما تغيرت أولوياتها من مواجهة مباشرة إلى استعداد دائم، ومن التمدد العسكري إلى التثبيت السياسي.

وإذا كان طارق صالح لم يزج بقواته في معارك عبثية تستنزف الطاقات دون غطاء سياسي ودولي حقيقي، فذلك موقف عقلاني واستراتيجي، لا كما يصفه البعض تهربًا. بل إن تصريحات طارق المتكررة حول ضرورة الإجماع الوطني والدعم الجوي ليست تبريرات، بل شروط أساسية لأي تحرك عسكري مسؤول.

ومن الغريب أن يعتبر البعض بيانًا سياسياً أصدره المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بمثابة صدام داخل مجلس القيادة. إن أي رأي أو تحفظ يُبديه مكون سياسي تجاه سياسات داخلية لا يُعد خروجًا على الدولة، بل ممارسة طبيعية في ظل التعدد والاختلاف، الذي يجب أن يكون مصدر قوة لا ضعف.

أما وصف البعض للمقاومة الوطنية بأنها “مقاومة بلا إرادة”، فهو تزييف فج، يتجاهل أن هذه المقاومة قامت من رحم ديسمبر، وواجهت الكهنوت في صنعاء في وقت كان فيه كثيرون يتوارون خلف البيانات. لقد رفض طارق صالح الكهنوت ورفض أيضًا التماهي مع فشل الشرعية، فكيف يُلام من يرفض الانخراط في العبث؟

يقول هشام المسوري، في تناقض صريح، إن طارق كان عبئًا على الحوثي، ثم يقول إنه عبء على الشرعية، فكيف يكون عبئًا على كليهما؟ الحقيقة أن طارق كان شوكة في حلق الحوثيين، ويرفض أن يكون ذيلاً لأي مشروع هش داخل الشرعية، وهذا ما يُحسب له لا عليه.

أما الترويج لفكرة أن طارق يستعرض إعلاميًا، فهو إسقاط لا يليق، إذ أن من يعيش داخل اليمن ويقود قواته في الميدان ليس بحاجة لاستعراض، بل من يعيش في العواصم ويتحدث من الخارج هو الأجدر بهذه التهمة.

الخطاب الإعلامي الذي يحاول الاصطياد في الماء العكر، ويزرع الشك في النوايا بين مكونات الشرعية، لا يخدم سوى الحوثيين. والأجدر بكل وطني أن يدرك أن التحديات أكبر من المناكفات، وأن التحريض ضد طارق أو غيره لا يصب إلا في مصلحة العدو.

إن ما تحتاجه البلاد اليوم هو توحيد الصف، وتصحيح الخلل داخل منظومة الشرعية، وإشراك كل القوى في معركة استعادة الدولة، لا دفعها إلى الزوايا ثم لومها على عدم المشاركة.

فهل المطلوب أن تكون جزءًا من الفشل حتى يُعترف بك؟ أم أن من يحافظ على جهوزيته ويتهيأ للحظة الفعل الوطني، يُدان لأنه لم يُهدر طاقته في معارك استنزافية؟

طارق صالح ليس في حاجة لأن يثبت وطنيته، فمواقفه تُثبتها، وتضحياته تشهد لها، والمخا اليوم ليست فقط موقعًا عسكريًا، بل مركز تنموي يعكس مشروع الدولة الذي يسعى إليه.

في زمن الغوغاء، يكون الصمت حكمة. لكن في زمن التزييف، لا بد من أن يُقال الحق، ولو على جدران الحصار. فالشرعية ليست أشخاصًا، بل مشروع دولة، ومن يحافظ على هذا المشروع هو جزء منها، سواء رضي أصحاب التقارير المفبركة أو لا.