الأحد - 20 يناير 2019 - الساعة 09:47 ص بتوقيت اليمن ،،،
واشنطن
يتناول فيلم “نائب الرئيس” (فايس) للمؤلف والمخرج الأميركي آدم ماكاي جانبا من سيرة ديك تشيني، الرجل الذي يعتقد أنه كان أقوى نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.
ويتتبّع الفيلم طريق تشيني نحو منصب وزير الدفاع أثناء حرب الخليج، وفترة توليه منصب نائب الرئيس جورج دبليو بوش من 2001 إلى 2009.
لكن، الفيلم يحمل أيضا بين سطوره أبعادا أخرى ترسم ملامح صعود اليمين في أواخر السبعينات، وكيف ساهم ديك تشيني ودونالد رامسفيلد في تنظيم ثورة خفية شرسة بدأت عهدا مستديما من القوة الجمهورية ومن سيطرة اليمين الناطق باسم المحافظين الجدد، وهو “تيار ظهر في أميركا ليرضي نزعات أطياف مختلفة من اليمين تشكل نسيج الأمة الأميركية من الناحية السياسية”.
يقول آدم ماكاي إن الانبهار من السلطة التي اقتنصها تشيني بصمت ومن خلف الكواليس في إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش ألهمه كتابة وإخراج فيلم “النائب”، لكشف حقيقة ما حدث و”كيف استطاع هذا الرجل الغامض الذي لا يتمتع بأي حضور أن يؤثر في التاريخ إلى هذه الدرجة؟”.
استعادت صحيفة الغارديان، أجواء تلك الحقبة وذلك خلال حوار دار بين آدم ماكاي وآدم كورتيس، الصحافي والمخرج البريطاني، مخرج أفلام مثل “قوة الكوابيس” و”البحيرة المرّة”، والذي يهتم بدوره باختيار الروايات السياسية ودراسة كيفية تغيير الأفراد لبنية المجتمع.
تراجع اليسار
في أوائل السبعينات، بدأت تطرأ تغييرات على المجتمع السياسي الأميركي، وحتى الدولي، حيث بدا اليسار في التراجع بشكل ملحوظ، متخليا عن السياسة والسلطة الجماهيرية. واتخذ طريقة أكثر فردية وراديكالية، من خلال الفن والتعبير عن الذات.
كما كان لهزيمة اليمين الأميركي التقليدي في الانتخابات خلال الخمسينات وأوائل الستينات وظهور جيل جديد من الناشطين المحافظين، دور في تطوير خطاب المحافظين الجدد واليمين الأميركي الصاعد في بداية السبعينات.
في ذلك الوقت، بدأت تظهر ملامح أوليغارشية صاعدة، تسعى إلى انتزاع السلطة. وبدأت تتبلور أدوار شبكة ضخمة تتكون من وسائل إعلام وشركات ومؤسسات بحثية، أطلق عليها وصف “عقل اليمين”، نظرا لمدى أهميتها في صياغة الأفكار والسياسات، والتأثير على صناع القرار.
من هذه المراكز مثلا مؤسسة هريتاج فاوندايش ومعهد كاتو، كما ساهم معهد “المشروع الأميركي” بشكل كبير في دعم ديك تشيني.
وكان يشرف على المعهد، ويتوفّر المعهد على العشرات من الباحثين من كبار أساتذة الجامعات الأميركية. وضم مجلسه الإداري شخصيات مؤثرة في اقتصاد الولايات المتحدة وسياساتها منهم رؤساء لبنك تشيس مانهاتن ورئيس شركة “كوكس” للبترول والغاز، وعددا من كبار أساتذة العلوم السياسية مثل صاموئيل هنتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات.
وكانت الفكرة المحفزة قولة للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، الذي رفض نقد اليسار للثقافة الأميركية، جاء فيها أنه “إذا كنت تميل نحو الحكومة، فأنت ضعيف.. لا يحتاج الأفراد إلى الحكومة. إنّ الأغنياء هم من يتمتعون بالإعفاءات الضريبية”.
ويعلق آدم ماكاي على ذلك بقوله “كان ذلك السبب وراء إنتاجي للفيلم. كانت هناك حركة كاملة للاستيلاء على السلطة التي نتجاهلها اليوم. لقد خان الديمقراطيون النقابات، وبدأوا يؤمنون بفكرة التجارة الحرة والأسواق والبنوك أنواع أخرى من الهراء”.
ويؤيده آدم كورتيس مشيرا إلى أن “تلك الأفكار أصبحت المشكلة الأساسية في عدم قدرة اليسار والليبراليين على إيجاد طريقة لتحدي ما يحدث الآن. لقد استسلموا وتخلوا عن الحديث عن السلطة. أعتقد أن ذلك يعود إلى الخوف من القوة. فجأة، تدرك أنه يمكنك جعل العالم كما تريد. أعتقد أنك تظهر بداية إدراك تشيني لذلك”.
ويشدد المخرجان من خلال حديثهما على أن اليسار يتحمل، بسبب ضعفه وتراجعه، جزءا مما عليه الوضع اليوم ومن ثورة اليمين المحافظ، الذي استثمر في ذلك الضعف المستمد من الرغبة في النأي عن ماضي ستالين وهتلر.
ويعتقد ماكاي أن هناك قدرة كبيرة لدى جماعات اليسار على إخبار قصص جيدة، لكنها تخاف القيام بذلك. مازال اليسار خائفا مما يسمونه “الشعبوية” ومن قوة السلطة. ويؤكد كورتيس ذلك باستحضاره لمثال من خمسينات القرن الماضي، حين نظم الأميركيون معرضا يشتمل على مجموعة من الصور الفوتوغرافية لأشخاص من جميع أنحاء العالم.
تم تمويل المعرض من قبل وزارة الخارجية، وكان الهدف الرئيس منه إظهار أن ما فعله هتلر وستالين كان عبارة عن إخراج حشود جماهيرية عن السيطرة. وإذا ما لم يتخلص اليسار من رواياته الدرامية، التي تقدم رؤية قوية بنفس القدر لمستقبل أفضل، فإن اليمين سيفوز.
ويذكّر هذا الحديث بما جاء في كتاب “أمة اليمين: قوة المحافظين في أميركا”، لمراسلي مجلة الإيكونوميست البريطانية في الولايات المتحدة جون ميكلثوايت وادريان وولدريدج، الصادر في سنة 2004، والذي تنبأ باستمرار صعود اليمين وهيمنته على السياسة الأميركية خلال السنوات المقبلة بغض النظر عن شخصية الرئيس.
وذهب المحللان البريطانيان إلى حد دعوة العالم، وخاصة أوروبا، إلى الاستعداد للتعايش في السنوات المقبلة مع أميركا يهيمن عليها اليمين، وهو ما يعيشه العالم فعلا، بل عن أن هذا اليمين يزداد تطرفا وشعبوية.
أميركا المحافظة
لا يعرف أغلب العالم عن الولايات المتحدة سوى رموزها الليبرالية. لكن الحقيقة هي أن خلف بريق مدنها الكبرى الليبرالية مثل نيويورك وسان فرانسيسكو، تختفي ولايات الوسط الأميركي الزراعية المحافظة. كما يتابع العالم وسائل الإعلام الليبرالية وأفلام هوليوود، دون أن ينتبه إلى مراكز الأبحاث اليمينية، وإلى أن أكثر بلدان العالم تقدما وانفتاحا هي في نفس الوقت أكثر دولة محافظة وقومية، ومثلت دائما تربة خصبة لصعود قوي للتيار اليميني المحافظ.
ويؤكد الكتاب ما ذهب إليه مكاي وكورتيس بأن السر وراء ثورة اليمين الأميركي في العقد الأخير يكمن في قوة المؤسسات الداعمة لأهدافه بشكل يفوق الليبراليين.
ويشير الكاتب الأميركي رون جاكوبس، مؤلف كتاب “الطريقة التي تهب بها الرياح”، إلى أن اليمين المحافظ لن يتوقف عن التأثير في توجُّـهات السياسة الأميركية، مؤكدا أن “النخبة السياسية الأميركية داخل الحزب الديمقراطي، وإن كانت تعارض أساليب وطرق المحافظين الجدد، فإنها تشاركهم أهداف الهيمنة التي وضعوها في مشروع القرن الأميركي الجديد”.
ويرى أن جيلا جديدا من الديمقراطيين من المحللين السياسيين وخبراء الأمن القومي الأميركي، يشكّل محافظين جدد، يحاولون من خلال معهد السياسة التقدمية إحياء أفكار الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان، فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة إزاء الحرب الباردة من أجل تطبيقها على الحرب الأميركية على الإرهاب، وسيتم الترويج لأفكارهم في وسائل الإعلام الأميركية، التي سرعان ما ستصور آراءهم، على أنها حقائق.